الأحد، فبراير 17، 2013

الأمير الصغير


الأمير الصغير (اقتباسات)

 
 

1

 

نصحني الكبار من الناس أن أدع جانبًا رسوم البواء، من الداخل كانت أم من الخارج،

وقالوا: "الأولى بك أن تهتم بالجغرافية والتاريخ والحساب وقواعد اللغة".

وهكذا تركت، وأنا في السادسة من عمري، مستقبلاً باهرًا في فن الرسم.

لأن فشل رسمي رقم 1 ورقم 2 قد أوهن عزمي.

فالكبار لا يدركون شيئًا من تلقاء أنفسهم، وإنه لمُضنٍ للصغار أن يفسروا لهم دومًا كل شيء.

فاضطررت إلى اختيار مهنة أخرى، فتعلّمت قيادة الطائرات.

وطرت إلى مختلف أنحاء العالم.

وقد ساعدتني بالفعل الجغرافية كثيرًا،

فكنت أميّز، ومن أول نظرة، بين الصين وأريزونا.

وفي هذا فائدة جمّة إذا ما تاه المرء ليلاً.

وقد قابلت، في حياتي، العديد من أهل الرزانة والوقار،

وعيشت طويلاً عند الكبار، واختبرتهم عن كثب.

غير أن ذلك لم يُحسّن كثيرًا رأيي فيهم.

 

 

2

 

 

عندما كنت ألتقي بشخص من الكبار يبدو لي واعيًا بعض الشيء،

كنتُ أختبر عليه رسمي رقم 1، وقد احتفظتُ به دومًا.

وكان غرضي أن أعلم هل هذا الشخص يتفهم الأشياء حقًّا.

ولكنْ كان الجواب دومًا: "هذه قبعة".

فلا أكلّمه على البواء ولا على الغابات العذراء ولا على النجوم،

بل أضع نفسي على مستواه وأكلمه على لعب البريدج أو الغولف وعلى السياسة وعلى ربطات الرقبة.

فيكون هذا الشخص الكبير مسرور جدًّا للتعرف إلى رجُل فيه ما فيّ من الرزانة.

 

 

3

 

ولدي أسباب وجيهة للاعتقاد أن الكوكب الذي جاء منه الأمير الصغير هم النجيمة ب 612. وهذه النجيمة لم تُرَ في الراصدة إلاّ مرّة واحدة، سنة 1909، وقد رآها فلكيّ تركيّ.

وقد أعطى الفلكيّ حينئذ أدلّة بيّنة على اكتشافه في المؤتمر الدولي لعلم الفلك، ولكنْ لم يُصدّقه أحد بسبب زيه. هذا طبع الأشخاص الكبار.

ومن حُسن الحظ لشهرة النجيمة ب 612، كان أن سلطانًا تركيًّا فرض على شعبه تحت طائلة الموت أن يرتدوا الزي الأوروبي.

وأعاد الفلكيّ برهانه سنة 1920، في زيّ أنيق جدًّا.

 

فحاز هذه المرّة موافقة الجميع.

 

 

4

 

قصصتُ عليك تفاصيل قصة النجيمة ب 612 وأودعتُك رقمها وذلك بسبب الأشخاص الكبار،

لأن الأشخاص الكبار يُحبّون الأرقام.

وعندما تكلّمهم على صديق جديد لا يسألونك أبدًا عن الجوهر.

لا يقولون لك أبدًا: "ما هي رنّة صوته؟ ماذا يُفضّل من الألعاب؟ هل له هواية بجمع الفراشات؟"

بل يسألونك: "ما عمره؟ كم أخًا له؟ كم وزنه؟ كم يربح أبوه؟"

ولا يحسبون أنهم عرفوه إلاّ بعد الجواب عن كل هذه الأسئلة.

وإذا قلت للأشخاص الكبار: "رأيتُ بيتًا جميلاً من الآجر الوردي، وعلى نوافذه أحواض خبيزة وعلى سطحه حمام"...

لا يستطيعون تصوّر هذا البيت.

يجب أن تقول لهم. "رأيتُ بيتًا ثمنه مئا ألف فرنك".

فعندئذ يصيحون قائلين: "ما أجمل هذا البيت".

 

وهكذا، إذا قلت لهم: "الدليل على أن الأمير الصغير قد وُجد حقًّا هو أنه كان فاتن الجمال، وأنه كان ضحوكًا، وأنه كان يريد خروفًا.

فالرغبة في الخروف إنما هي دليل على الوجود".

عندئذ يهزّون شكًّا ويقولون: "إنك ولد صغير".

ولكن إذا قلت لهم: "إن الكوكب الذي أتى منه هو النجيمة ب 612"،

عندئذ يقتنعون فيدعونك وأسئلتهم.

هذا طبعهم ولا داعي لمؤاخذتهم.

وعلى الأولاد أن يأخذوا بحلمهم الأشخاص الكبار.

 

 

5

 

من المحزن أن ينسى الإنسان صديقًا.

وما كل إنسان عرف صديقًا.

 

 

6

 

وبعد زمن من الصمت، صرخ بي بنبرة فيها بعض الحقد:

- أنا لا أُصدّقك! إن الزهور ضعيفة وهي ساذجة، فتهدئ خوفها كما تستطيع، وتظن نفسها هائلة بأشواكها...

إن الزهور تنبت شوكها منذ ملايين السنين ومع ذلك منذ ملايين السنين تأكل الخرفان الزهور.

أوليس من الجد أن يحاول الإنسان تفهّم ما يدعو الزهور إلى هذا العناء في صُنع أشواك لا نفع لها؟

أليست هامة الحرب بين الخرفان والزهور؟

أليس أجدر بالجد وأهم شأنًا من جمع الأرقام الذي يقوم به رجُل جسيم غليظ أحمر اللون؟

افترضْ أني أعرف زهرة وحيدة في العالم،  لا وجود لمِثلها في مكان آخر إلاّ في كوكبي،

وافترضْ أن خروفًا صغيرًا بإمكانه أن يُبيدها بنهشة واحدة ذات صباح

بلا داع وبلا إدراك لما يفعل،

أليس ذلك أمرًا هامًّا!

 

 

7

 

إذا كان شخص يحب زهرة واحدة لا مثيل لها في ملايين وملايين النجوم،

فرؤية النجوم تكفيه ليكون سعيدًا.

فهو يقول في نفسه: "إن نجمتي هنالك في مكان من الأمكنة..."

 

 

8

 

أعرف كوكبًا يعيش فيه رجُل أحمر الوجه،

ما شمّ قط زهرة وما نظر إلى نجمة وما أحب أحدًا قط.

وما صدر عنه إلاّ أرقام مجموعة.

وطوال نهاره يُردّد مِثلك:

"أنا رجُل جدي! أنا رجُل جدي!"

فينتفخ من الكبرياء.

وليس هو بإنسان، إنما هو فطرة من الفطور!

 

 

9

 

أنا أتساءل: هل النجوم مضيئة حتى يتمكن كل شخص من الاستدلال على كوكبه؟

أنظري إلى كوكبي.

هو فوقنا توًّا... ولكن، ما أبعده!

 

 

10

 

الناس؟

إنهم على ما أظن ستة أو سبعة.

لمحتُهم منذ سنوات.

ولكن لا يدري أحد  أبدًا أين يُقيمون.

فإن الريح تجول بهم، إذ لا جذور لهم.

وهذا يضايقهم كثيرًا.

 

 

11

 

لا يحسن الإنسان البصر إلاّ بقلبه.

فجوهر الأشياء يبقى خفيًّا على الأنظار.

 

 

12

 

ما من إنسان قط راضٍ بمكانه.

 

 

13

 

إن الماء من شأنه أن يكون صالحًا للقلوب أيضًا.

 

 

14

 

إن الناس، قال الأمير الصغير،

يندفعون في القطارات السريعة ولكنهم لم يعودوا يعرفون ماذا يطلبون،

وعندئذ يضطربون في دوائر مغلقة...

 

 

15

 

إن الناس في موطنك، قال الأمير الصغير،

يربّون خمسة آلاف وردة في بستان واحد...

ولا يجدون ما يطلبون...

 

 

16

 

إن العين عمياء

يجب البحث عن الأشياء بالقلب.

 

 

17

 

إذا كنت تحب زهرة على نجمة ما،

فيلذ لك أن تنظر إلى السماء في الليل،

فكل النجوم مزهرة.

 

18

 

ستنظر إلى السماء في الليل، ونجمتي صغيرة للغاية فلا أستطيع أن أدلّك عليها.

وأفضّل ذلك، لأن نجمتي ستكون حين تنظر إلى السماء نجمة من النجوم.

وعندئذ ستلذ لك رؤية كل النجوم...

وتكون كل النجوم صديقات لك.

 

 

19

 

للناس نجوم تختلف باختلافهم.

فمن الناس من يسافرون وتكون لهم النجوم دليلاً،

ومن الناس من لا يرون في النجوم إلاّ أضواء ضئيلة،

ومنهم العلماء، فتكون لهم النجوم مسائل.

ولصاحبي، رجُل الأعمال، كانت النجوم ذهبًا.

ولكنّ كل هذه النجوم لا تقول شيئًا.

أمّا أنت فستكون لك نجوم لا أحد له مِثلها...

فإذا نظرت إلى السماء  في الليل،

وسأكون في نجمة من النجوم وسأضحك في نجمة من النجوم،

فعندئذ سيُخيّل إليك أن كل النجوم تضحك،

وتكون لك أنت نجوم تعرف الضحك!

وبعدم يكون قلبك قد عرف العزاء (والعزاء يأتي دائمًا) ستكون لك فرحة بأنك عرفتني.

ستبقى دومًا صديقي وسترغب في مضاحكتي،

فتفتح أحيانًا شباكك، على خاطرك، كما يطيب لك...

وسيعجب أصدقاؤك كل العجب عندما يرونك تنظر إلى السماء وتضحك.

وعندئذ تقول لهم: "نعم، النجوم تثير فيّ الضحك دائمًا!"

فيظنونك مجنونًا وأكون أنا قد لعبت عليك لعبة ملعونة...

 

 

20

 

إن الكلام مصدر لسوء التفاهم.

 

 

الأمير الصغير

أنطوان دو سانت اكزوبري