الاثنين، يناير 30، 2012

"السّاحِر" تُوني


أنْتُوني دِي مِلُّو
(4 أيلول سبتمبر 1931، بومباي، الهند - 2 حزيران يونيو 1987، نيويورك)




1. السِّيرة بقلم شقيقه بِيل دِي مِلُّو

هذه قصّة أوّل وآخِر لقاء بين شقيقَيْن، والمُناسبات العائليّة الّتي وقعت في ما بينهما.[1]

بقلم شقيقه بِيل دِي مِلُّو Bill de Mello

1. 1. اللقاء الأوّل
بعد ظُهر يوم 29 تمّوز (يوليو) سنة 1944، ركض صبيّ عمره ثلاثة عشر عامًّا مِن منزله لزيارة والدته في مُستشفى التَّوْليد في بومباي Bombay (الهند). وكانت أفكاره تجري أسرع مِن ساقيه، لأنّ ساعة تقرير المصير قد آنت. إذ إنّ مُستقبل الفتى سيكون ذهبيًّا كما تمنّاه وخطّط له، إذا ما كان المولود الجديد ذَكَرًا. غير أنّ مستقبله سيكون مِن حديد - حديد التّعليم المهنيّ التّابع للسّكك الحديديّة - إذا ما كان المولود الجديد أُنثى. كان الصّبيّ ذُو الثّلاثة عشرة ربيعًا تُوني دِي مِلُّو، وكُنتُ أنا المولود الجديد. عندما رآني تُوني، قال فرِحًا: "...الآن يُمكنني أنْ أُصبح قسًّا يسوعيًّا!"

1. 2. اللقاء الأخير
مساء يوم 31 مِن أيار (مايو) 1987، التقى في مدينة نيويورك رَجُل عُمره 56 عامًا بشقيقه البالغ مِن العُمر 43 عامًا. كان الرَّجُل الأكبر سنًّا تُوني دِي مِلُّو اليسوعيّ، المُرشِد الرُّوحيّ المشهور عالَميًّا، وكنتُ أنا الأصغر سنًّا، بِيل دِي مِلُّو، شخصًا عاميًّا غير معروف. وكان الاجتماع في جامعة فُوردام في البرونكس Fordham University in the Bronx. أذكر ذلك المساء كما لو أنّه كان بالأمس، لأنّي عشتُه مرّات عديدة. كُنّا قد تعشّينا معًا في المقصف، وكان تُوني يهتمّ مُعظم الوقت، كعادته، بالآخَرِين. وقد أراد أنْ نُنهي العشاء بسرعة، حتّى يتسنّى لمُوظفي المقصف العودة أبكر إلى بيوتهم.
جاء تُوني إلى الولايات المُتّحدة لإجراء حلقات دراسيّة عن الرُّوحانية عِبر اتّصال بالأقمار الصّناعيّة يضمّ 600 كُلّيّة ومعهَدًا في الولايات المُتّحدة وكندا. وكُنتُ في مانهاتن، مبعوثًا مِن قِبل رُؤسائي الأُوستراليّين للعمل على مشروع خاصّ ذي أهمّيّة عالميّة. وكان تُوني قد أكّد لي، في مُكالمة هاتفيّة، في وقت سابق مِن اليوم نفسه، أنّه تعافى مِن اضطرابات الرّحلة الجوّية بعد رحلة طويلة مِن الهند.
ولكنْ، لمّا حلّ المساء، اشتكى تُوني مِن انزعاج وأوجاع في المَعِدة. وكان عليّ التنبُّه مِن هذه الأعراض وأنْ تدق لي أجراس الإنذار... إذ ليس مِن عادة تُوني أنْ يشتكي مِن شيء على الإطلاق... فقد كان على الدّوام في سلام مع كُلّ أنواع الأقدار وفي جميع الأحوال.
جلسنا بعد العشاء في غُرفة لنُدردش، وتركني لفترة وجيزة لأخذ بعض الأدوية، غير أنّها لَمْ تكن له بالمُعين الشّافي. وما كان مُخطَّط له مُسبقًا، أي البقاء معًا لبضعة ساعات ثمينة اختُصرتْ الآن لأنّ الاضطرابات المعويّة قد زادت مِن حدتها. قال إنّه مُرهَق ويُريد الانسحاب مُبكِّرًا والخُلود للرّاحة. اتّفقنا، قبل الفراق، على أنْ نلتقي في وقت لاحق مِن العام ذاته في مركزه للرّياضات الرُّوحيّة في الهند. وقضينا آخِر لحظة في عِناق حميم، وودّعنا بعضنا البعض بغصّة وحسرة في القلب.
وقد عُثر على تُوني، صباح اليوم التّالي، على أرض غُرفته ميتًا.
في اليوم الّذي تلا وفاته، سُجّي جُثمانه في كنيسة جامعة فُوردام. وقد بدا إلى حدّ بعيد نابضًا بالنّشاط وكأنّه ما زال على قيد الحياة، حتّى إنّي لَمْ أكُن أُصدِّق ولا أنْ أُسَلِّم أنّه قد تُوفي. فانهارتْ قواي ورُحتُ أبكي... كان لدينا الكثير مِن الأعمال الرُّوحيّة الّتي لَمْ تنتهِ والّتي تُركت دُون حلّ. واستسلمتُ لمشاعر الغضب المُعتادة... لماذا كان عليه أنْ يموت؟ ومشاعر الحُزن... فإنّي لن أعود أراه ثانية. ومشاعر الألم والشُّعور بالذَّنْب... كان عليّ أنْ أحزر أنّه كان على وشك الوُقوع في نوبة قلبيّة، وفعل شيء حيال ذلك. ومشاعر ملؤها الصّدمة والذُّهول... كيف يُمكن لرَجُل يبدو في تمام العافية، واّلذي كان قد مُنح، قَبْل أشهر فقط، شهادة طبيّة خالية مِن الأمراض مِن قِبل أحد اختصاصيّ القلب البارزين الأمريكان، أنْ يموت بأزمة قلبيّة؟ وهل ينبغي أنْ ندعو هذا القضاء والقَدَر، أم المصير، أم مشيئة الله؟ سوف تظلّ هذه الأسئلة بلا إجابات إلى أنْ نلتقي، نحن الشّقيقان، مرّة أُخرى، مَن يدري أين، ومَن يدري متى.

1. 3. ما حَدَث في الفترة ما بين اللّقاءَيْن الأوّل والأخير
في لقائنا الأوّل، قال تُوني: "...الآن أستطيع أنْ أُصبح كاهنًا يسوعيًّا". كان لدى تُوني مُنذ نُعومة أظفاره حُلمًا ذهبيًّا بأنْ يُصبح قسًّا يسوعيًّا. ولكنْ لَم يَكُن حُلْمه، في تلك السّنة بالتّحديد، 1944، موضع ترحيب في عائلتنا. إذ كانت الأوضاع الاقتصاديّة أكثر إلحاحًا وأهمّ مِن الأحلام الذّهبيّة. فقد كانت الحرب العالميّة الثّانية مُستعرة. وكان الطّعام يُوزَّع بحصص غذائيّة، والسّكن نادر الوُجود. إضافة إلى ذلك كانت الهند، الّتي كانت جُزءًا مِن الإمبراطوريّة البريطانيّة، تُقاتل إلى جانب الحُلفاء على عدّة جبهات. وكان اليابانيّون قد اخترقوا حُدودها الشّرقيّة، وصار لهم موطئ قَدَم على الأراضي الهنديّة. فكانت البلاد غير آمنة ولا أمينة. وكان تُوني، بالنّسبة لوالديّ- وكانا في مُتوسط العُمْر- ضمانتهما الوحيدة، فهُو مَن سيعتني لاحقًا بهما في سنوات شيخوختهما. كان أبي يعمل في السّكك الحديديّة الهنديّة، وفي حال أنّ ابنه الأكبر لَمْ يختَر دُخول الجامعة بعد تخرّجه مِن المدرسة، كان بالمُستطاع تدبير إدخاله في مدرسة السّكك الحديدية المهنيّة. وهذا ما مِن شأنه أنْ يَكْفَل له عملاً أكيدًا. كانت هذه خطّة عائلتي الاقتصاديّة الكُبرى لتُوني.

1. 4. أصل العائلة
وُلد تُوني في 4 أيلول (سبتمبر) 1931 في سانتا كروز Santa Cruz، وهي ضاحية مِن ضواحي بُومباي. كان والدانا، فرانك ولويزا (المولودة كاستيلينو Castelinoمِن مواليد ولاية غُوا Goa، المُستعمرة البُرتُغاليّة على ساحل الهند الجنوبيّ الغربيّ. وهُما ينتميان إلى سُلالة عريقة مِن العائلات الكاثوليكيّة الّتي يعود تاريخها إلى 400 سنة، والمشهود لها بالغَيْرة الدّينيّة.

1. 5. الغَيْرة الرسوليّة
وصل الرّائد اليسوعيّ فرانسيس كزافييه[2] Francis Xavier إلى غُوا نحو سنة 1542، فأعطى زخمًا كبيرًا لانتشار المسيحيّة. غير أنّ عمليّة تبشير السُّكّان المحليّين كانت قد بدأت في وقت سابق. فقد وصل كهنة ورُهبان بُرتُغاليّين بعد وقت قصير مِن استيلاء القوات البُرتُغاليّة على غُوا سنة 1510...
اعتمدت حميّتهم التبشيريّة (وفقًا لبعض المُؤرِّخِين) على استعمال التّرغيب والتّرهيب. فإلى جانب أُسلوبهم النّاعم المُعتَمِد على قُوّة الإقناع بالنّقاش، استخدموا أُسلوبًا فظًّا قاسيًا مُعتمِدًا على التّهديد بالنّار والسّيف لحَمْل النّاس على الاهتداء. لا نعرف بأيّ طريقة اهتدى أجدادي، ولكنْ مِن المُؤكَّد أنّهم نقشوا في أعماق ضمائر نَسْلِهم الرُّعبَ مِن الجحيم والرّجاء بالفردوس. وظلّ والدانا مِن دُون تردُّد، طوال حياتهما، مُخْلِصَيْن للكنيسة ومُؤمنَيْن بجميع تعاليمها.

1. 6. الهجرة
كانت فُرص العمل محدودة للغاية في غُوا البُرتُغاليّة، ولذلك عادةً ما كان شباب غُوا يُهاجِرون إلى بُومباي القريبة في الهند البريطانيّة. وكان البريطانيّون يفضّلون توظيف أهل غُوا، لا سيّما في السّكك الحديديّة وفي إدارة البريد والبرق، لأنّهم كانوا  مُتعلّمين وعُمّالاً مُجتهدين ومسيحيّين ناطقين بالإنكليزيّة. وقد انضمّ والدِي إلى السّكك الحديديّة. وبقيت أُمّي في البيت لتدبير الشُّؤون المنزليّة، ولتُربّي أطفالها في وقت مُبكِّر على مبادئ التّربية الدينيّة البيتيّة.

1. 7. الدّراسة والدّعوة
بدأ تُوني تعليمه الابتدائيّ في مدرسة القدّيس ستانيسلاوس St. Stanislaus الثّانويّة، الّتي كانت تحت إدارة اليسوعيّين، في رعيّة القدّيس بُطرس، الواقعة في باندرا Bandra، إحدى ضواحي بُومباي الشّماليّة. برع تُوني في العِلْم وكان ماهرًا وبصُورة استثنائيّة في العلاقات الإنسانيّة. كان محبوبًا سواء مِن الأساتذة أم مِن التّلاميذ، بل بالحَريّ كان معبود المدرسة. وقد توقّع له والدانا أنْ يدخل الجامعة ويتخرّج مِنها وأنْ يتفوّق في أيّ مِهنة يختار. وكانت توقعاتهم لمُستقبل مُشرق لتُوني محفورة بعمق في عُقولهم، ولذلك أَوْلَيَا اهتمامًا قليلاً لتلميحاته المُتكرِّرة بأنّه يُريد أنْ يُصبح كاهنًا. واعتبراها مُجرّد حماسة صبيانيّة، غرسها فيه اليسوعيّون، مديرو مدرسة القدّيس ستانيسلاوس.
بالإضافة إلى ذلك، عرف والديّ أنّه كان لدى تُوني جانبًا رُومانسيًّا. فعندما كان يافعًا، قال لإحدى بنات عمّنا إنّه يودّ يومًا ما أنْ يتزوجها وأنّه سيجلب نُجوم السماء جميعها، ليجعل مِنها لها فُستان الزّفاف. وهي لَن تكفَّ إطلاقًا أن تُذكّره مُمازحةً بوعده هذا، حتّى بعد زواجها وإنجابها وحتّى بعد انضمامه للجمعيّة اليسوعيّة.

1. 8. الوعد
أعاد تُوني، في أحد الأيام، وبكُلّ تهذيب، تذكير والدتي بحُلمه، فردّت عليه قائلة: "إذا تركتَنا وذهبتَ إلى اليسوعيّين، فمَن الّذي سيرعانا ويُعيلنا عندما نَشِيخ؟" فأجاب تُوني: "ماما، أنا ذاهب لأُصلّي إلى الله لكي يَهَبكما ابنًا آخَر للاهتمام بكما، فإذا ما استُجيبت صلواتي، فهل ستسمحان لي بالانضمام إلى اليسوعيّين؟"
وافقتْ والدتي على الفور وبسهولة، إذ كانت قد تعدّت الأربعين عامًا مِن عُمرها، وهي تَعْلَم أنْ فُرَص حَبَلها باتت مُستبعَدة جدًّا. أنا أعتقد أنّها كانت وسيلة أمٍّ يائسة للتّمسُّك بابنها أطول مُدّة مُمكنة. وأعجباه... بعد بضعة أشهر، أصبحت أُمِّي حاملاً! وبحَسَب ما قِيل لي، فإنّ تُوني لَمْ يطرح أبدًا موضوع الانضمام إلى اليسوعيّين حتّى رآني أنا، الوليد. حتّى إنّه عندما اقتحم غُرفة الولادة لَمْ يستفسر، في الحقيقة، لا عن حالة والدتي ولا عن حالتي. بل كانت كلماته الأولى: "لقد استُجيبت صلواتي. وها إنّ الله قد أعطاك صبيًّا، إذًا يُمكنني الآن أنْ أُصبح قسًّا يسوعيًّا!"

1. 9. الوفاء بالوعد
كان موضوع انضمام تُوني إلى "جمعيّة يسوع" يُثار أحيانًا، غير أنّ والديّ لَمْ يعتبرا الموضوع ذا أهميّة جديّة. ولكنْ، وفي عام 1947، وقبل بضعة أشهر مِن إنهاء سنته المدرسيّة الأخيرة، شارك تُوني بدورة استشاريّة لتحديد مِهنة المستقبل. ولمّا عاد إلى البيت، أراد أنْ يُناقش مُستقبله بجدّيّة مع والدَيْنا. وطُرح مِن جديد موضوع الانضمام إلى اليسوعيّين المُفزِع واللّعين، وعرف والديّ أنّه كان بالفعل جدّيًّا للغاية هذه المرّة. فقالت والدتي بأنّها سوف تُسعَد وتفرح له لانضمامه للكنيسة، ولكنْ ليس اليسوعيّين. فقد سمعت، وهذا صحيح تمامًا، أنّه لم يكن مسموحًا للمُبتدئين بزيارة بُيوت أهاليهم في السّنوات الثّلاثة الأُولى، وأنّ الزيارات العائليّة للإكليريكيّة[3] كانت تقتصر على ثلاثة مرّات في السّنة. إذ كان يصعب عليها أنْ تتقبّل مِثل هذه القُيود، لذلك اقترحت عليه أنْ يدخل إكليركيّة الكهنة الأبرشيّين بدلاُ مِن اليسوعيّين. فأجاب تُوني بأنّه إذا كانت هذه رغبتها، فإنّه يُفضِّل الانضمام لوالدي في السّكك الحديديّة الهنديّة كمتدرب، إلا أنّه سيكون تعيسًا جِدًّا لاختياره هذه الوظيفة.
كما ذكّر تُوني أُمّي بوعدها. وفي نهاية المطاف، عرف والديّ أنْ لا جدوى مِن مُحاولة إقناعه بالعُدول عن رأيه. وقد تغلّب، أخيرًا، عزمه وتصميمه على المضي قُدُمًا في دعوته. ففي الأوّل مِن شهر تمّوز (يوليو) عام 1947، انضمّ تُوني إلى "جمعية يسوع"[4]، الّتي أسّسها "إغناسيو دِي لُويُولا"[5]، كمُبتدئ في إكليريكيّة "ڤينايالايا" Vinayalaya بضاحية "أنديري" Andheri (بومباي). حيث سيصبح رئيس هذا المعهد بين عامَي 1968 و1972.

1. 10. غرِيس المُنقذِة
بعد سنوات، كانت أختي غرِايس Grace، ويا للمُفارقة، هي مَن بقيت للاعتناء بوالديّ، ممّا أتاح لي أنْ أُمارس مهنة في أُوروﭙا، وأخيرًا في أُوستراليا. ولا بدّ لي مِن التأكيد أنّ تُوني كان دومًا قريبًا جدًّا مِن عائلته كُلّما احتاجت إليه. وكان لا يُسافر إلى الخارج إلاّ عند الضّرورة. كان حُبّ تُوني التّالي، بعد أُسرته و"جمعية يسوع"، هُو حُبّه لوطنه. فَقَدْ كان يُحبّ الهند، ولا يُمكن له أنْ يقنع بقبول وطن آخَر بديلاً عنه.

1. 11. الأخان دِي مِلُّو
كُنّا، تُوني وأنا، مُختلفَين جسديًّا ورُوحيًّا.
فقد كان لديّ مُيول كبيرة لكُرة القدم والهُوكي ومُختلف الألعاب الرياضيّة. بينما كان تُوني، على حدّ قوله وبحسب كلماته "أعسر القدمَيْن".
وفي حين كان تُوني مُتشرِّبًا مِن عميق يُنبوع الإيمان، كُنتُ أنا مُجرَّد مُغرغِر! كان مُؤمنًا مُتّقدًا بينما نَمَتْ في داخلي شُكوك كثيرة. لا أزال أتذكّر ما نقشه فيّ التّعليم المسيحيّ في المدرسة فيما يخصّ تعريف الإيمان: "الإيمان نعمة خارقة مِن الله". حسنًا، لقد جاءت نعمة الله هذه إلى تُوني بحُمولة شاحنة، بينما أتَتْني في عُلبة ثقاب! بِقَدْر ما كان تُوني بطبيعته مُتديّنًا، كُنتُ بطبيعتي غير مُبال بالدّين. إذ لم يعثر الإيمان قط على أيّ شرارة فيّ، وبكل بساطة لَمْ يشتعل الإيمان أبدًا في داخلي. وعلى الرّغم مِن كُلّ ذلك، وبالرّغم مِن كُلّ هذه الاختلافات، فإن رابط الأُخوّة بيننا لَمْ يتراخَ ولم يتضاءل.
كانت عائلتنا ذات جُذور ثقافيّة دينيّة متينة. وكان مطلوبًا مِنّي، كولد كاثوليكيّ، القيام ببعض الواجبات. فقد كان مِن المُتوقَّع أنْ أفهم اللاّتينيّة في القُدّاس الإلهيّ، والإنشاد بتلهُّف، والاعتراف أُسبوعيًّا، والسّير في محطات درب الصّليب، وتلاوة المسبحة الورديّة، وصلاة التُّساعيات... وهلمّ جرا. كان مجموع هذه الشّعائر الدّينية يتخطّى الحدّ اللاّزم، وكانت ردّة فعلي سلبيّة تُجاهها. فاعترضتُ على السُّلطة الكنسيّة، ورفضتُ الاعتقاد بالأسرار المُقدَّسة، ووجدتُ كُتُب الصّلاة مُملّة ومُتكرّرة. وآثرتُ التحدُّث مُباشرة مع خالقي بكلمات اختارها أنا عوضًا عن استخدام صيغ الصّلاة الجاهزة.
في السّنوات اللاّحقة، وبدلاً مِن الاصطدام شجّع تُوني النّقاش. فقد حثّني على التّعبير عمّا أشعر به فعلاً تجاه الدّين.

1. 12. مُناوشات
كان تُوني نموذجًا للفضيلة، خلال سنوات طُفولتي، وكنتُ أنا شقيًّا. أتذكّر كيف كان تُوني يقف دائمًا إلى جانبي كُلّما حصلَتْ مشادة بين أختي وبيني، ولكنّه عرف تمامًا متى يضع حدًّا للأُمور. ففي سياق إحدى هذه المُناوشات، تشاجرتُ مع شقيقتي ووصفتُها بـ "المجنونة المُتوحِّشة". أثار تعبيري هذا شديد الاستياء لدى تُوني واعتبره إهانة بليغة، فأخذني ووضعني على رُكبته وراح يصفعني على كفلي، مُنبهًا إيايّ بألاّ أعاود أبدًا استعمال كلمات بذيئة. عندئذ بدأتُ أهابُه وأشعرُ بالخوف مِنه، وكانت انطباعاتي الأُولى عنه أنّه انضباطيّ ونظاميّ صارم.
كان تُوني، لدى دُخوله الإكليريكيّة، كاثوليكيًّا مُتشرِّبًا بالعقيدة المُستقيمة، وبالإخلاص والولاء، وبالرّغبة في الدّفاع عن أيٍّ مِن تعاليمها حتّى الموت. ففي واحدة مِن زياراتنا النّادرة لدير الابتداء، دخلتْ واحدة مِن أخواتي في جدل مع تُوني في موضوع إحدى المقولات الدينيّة. فرمقها تُوني بنظرة غاضبة، وشرع فورًا في عرض تعاليم الكنيسة: "إنّ الكنيسة أُمّنا هي على حقّ، وأنتِ المُخطئة. ولا ينبغي عليك أبدًا التّساؤل. فالبابا معصوم." ومِن دُون أنْ يقول ذلك صراحة، فإنّه كان يُحذّرها مِن أنّ موقفها هذا قد يقودها إلى الجحيم.

1. 13. المَثَل الأعلى
أصاب تُوني العائلة بالذّعر بمواقفه المُتصلِّبة فيما يخصّ ما هُو صواب وما هُو خطأ. وبدأنا، مِن دُون وعي، برسم صُورة طُوباوية عنه. غير أنّه بدأ يتغيّر بعد بضعة سنوات - أظنّ أنّ هذا كان بعد عودته مِن إسبانيا. وقد اختبرتُ أنا شخصيًّا هذا التغيير كما سأروي لاحقًا. إذ بدا وكأنّه قد تخلّى عن صلابته وصار أكثر مُرونة في وُجهات نظره عن العقيدة الكنسيّة والانضباط. ومع ذلك فقد اعتبره والديّ، بطبيعة الحال، نموذجًا أحتذي به. ومع أنّ هذا الأمر لَمْ يُثِر فيّ أيّ نوع مِن الغيرة أو الحسد فقد وجدتُه مقيتًا. وأتذكر، في الواقع، أنّي اعتبرتُ أنّه أمر طبيعيّ. فبما أنّه الابن البكر فقد كان متوقعًا، في جميع الأحوال، أن تكون لديه هذه الفضائل.
وهذا بالضّبط ما كان مِن شأن بعض الكهنة، خلال سنوات دراستي، أنْ يلفتوا باستمرار انتباهي إلى أخي المشهور ويتساءلوا لماذا كُنتُ مُختلفًا عنه للغاية في الدّراسة. وأظنُّ أنّ بعضًا مِنهم كانوا يفعلون هذا بدافع الغيرة مِنه إذ كان يتقدّم ويرتقي داخل "جماعة يسوع"، وهذا ما قد يجعلهم ميّالين لإغاظته كُلّما سنحتْ لهم الفرصة. وأتصوّر أنّ اليسوعيّين ينتقدون بعضهم البعض، كما هي الحال في الجمعيّات الأُخْرى! في جميع الأحوال، كُنتُ فخورًا جدًّا بتُوني، على الرّغم مِن أنّه لَمْ يخْطُر ببالي على الإطلاق أنْ أُضاهي إنجازاته. وكان تُوني دائمًا حريصًا جدًّا، كُلّما التقينا، على التّقليل مِن شأن نجاحه وتطوّره في الجمعيّة، وعلى العكس مِن ذلك، فقد كان يُولي أهميّة كُبرى لإنجازاتي الرّياضيّة، مِن دُون أنْ يُوجّه لي أيّ لوم على "مُستوى إنجازاتي المُتدنيّة" في الدّراسة أو عن قلّة تديّني.

1. 14. تُوني و"جمعيّة يسوع"
يُولد بعض الرِّجال بطبيعتهم رياضيّين. وتُوني وُلد فطريًّا كاهنًا. كانت الجمعيّة اليسوعيّة بالنسبة له بمثابة البيت الأبويّ. كان لديه اليدَيْن وكانت الجمعيّة قفازَيْهما. وأعتقد أنّ ما شدّ تُوني إلى اليسوعيّين هُو الانضباط. فقد وجد تُوني قُوّة في مبادئ الانضباط الّتي يُربّي عليه نظام الجمعيّة: الانضباط اليسوعيّ في طاعة الأوامر والذّهاب حيثما يُرسَل المرء، والمبدأ اليسوعيّ بتقاسم كُلّ شيء مع الآخَرِين، والمُساواة بين جميع البشر الّذين يُعهَد بهم إليه. لقد وجد نفسه في المواقف المُتصلِّبة، والفرح في العقائد والقُوّة في التعاليم المسيحيّة.
تم إرسال تُوني في عام 1952 إلى إسبانيا لدراسة الفلسفة لمُدّة ثلاث سنوات، تطوّرت أثناءها شخصية تُوني بعض الشّيء. فقد اكتسب كاريزما القيادة الّتي جعلت مِنه قائدًا للنّاس. وقد اندهش بعض اليسوعيّين الإسبان، الّذين تبعوه إلى الهند، مِن أنْ يتمكّن هنديّ مِن أنْ يتكلّم الإسبانيّة مِثل الإسبانيّين. فحتّى بعد عُقود مِن الزمن، يبقى الإسبان يتكلّمون الإنجليزيّة بلكنة خاصّة. كان عند تُوني بالتأكيد موهبة تعلّم اللُّغات. فكان يُجيد المهاراتيّة Marathi، والهنديّة (باللهجتَين المحكيتَيْن في الهند)، وبطبيعة الحال، اللُّغة الإنجليزيّة.

1. 15. دِي مِلُّو اللّين العريكة
إن تُوني دِي مِلُّو اللِّيبراليّ الّذي يعرفه العالَم اليوم كان نتيجة جرّاء تحوُّل تُوني دِي مِلُّو المُتصلِّب الّذي دخل "جمعيّة يسوع".
هبّت نسائم تغيُّره الأُولى عندما كُنتُ في ورطة كبيرة في المدرسة... فَقَدْ كان شاغلي الرئيسيّ في المدرسة "كسر" السُّلطة والقوانين. فإذا كانت هناك مائة طريقة لتجنُّب الدّراسة، كُنتُ أعرف مائة وعشرة! وقد رفعتُ مِن شأن التغيُّب عن المدرسة إلى فن راقٍ! إذ تجاهلتُ بسُلوكي تحذيرات أساتذتي العديدة ومُلاحظات مُدير المدرسة الكثيرة. وقَدْ تمّ التعامُّل مع كُلّ هذه التّحذيرات والتّنبيهات والمُلاحظات بكُلّ الصّرامة الّتي تستحقّ، فكنتُ أُعاقَب إمّا بالحرمان مِن النُّزهات أو مِن إجازاتي الأُسبوعيّة. بَيْدَ أنّ القصاصات لَمْ يكُن لها أيّ تأثير عليّ. وفي نهاية إحدى السّنوات، كانت نتيجتي في المدرسة الرُّسوب، فكان عليّ إعادة صفّي. كانت هذه، بالنسبة لوالديّ، القشّة الّتي قصمتْ ظَهْرَ البعير، وكانا قد تحمّلا الأمر لسنوات. وكان هذا فوق طاقة تحمُّلهما مِن الابن الّذي كان مِن المتوقّع أنْ يُعوِّلا عليه لرعايتهما إبّان شيخوختهما! ولَمْ يتمكّنا أبدًا مِن فهم كيف أنْ يكون ابنًا جوهرة، والآخَر مصدر ألَم.
قرّر والديّ، بعد مُواجهة ساخنة معي، أنْ يشكواني لتُوني ليُقرِّر هُو ما يتعيّن القيام به. لَمْ يكُن عندي أيّ اتصال به مُنذ مُغادرته الهند إلى إسبانيا، وكُنتُ ما زلتُ أحتفظ عنه بصُورة المُنضبط الصّارم والمُتصلِّب في مواقفه، لذلك لَمْ أكُن مُتشوّقًا لهذا اللّقاء ولا مُحبًّا له.
كان تُوني آنذاك يدرس اللاّهوت، بين عامَي 1958 و1962، في معهد دِي نُوبيلي de Nobili ، في مُقاطعة پُونا Poona، الّتي تبعد نحو 120 ميلاً عن بُومباي. كانت كُلّ دقيقة تمرّ، أثناء رحلتنا بالقطار، وكأنّها تذوُّق طعم الجحيم المُسبَق. إذ كانت كُلّ تكّة تُقرِّبني مِن السّاعة الثّانية عشرة، وقت موعد لقائي مع الشّيطان.
استقبلنا تُوني في صالة استقبال المعهد. وأطلع والديّ تُوني على القصّة البائسة، وعلى تقرير المدرسة، جنبًا إلى جنب مع شكاوي أساتذتي وتنبيهاتهم العديدة. استمع تُوني لهما بكُلّ رصانة، فكان وجهه أكثر جدّيّة مِن صُورة البابا بِنِدِيكتُوس الثّاني عشر Benedict XII المُعلّقة هُناك على الجدار.
كان تُوني مُتسلّحًا بالصّاعقة ويُذكي نار جهنّم لمُعاقبتي. وكان لا مناصّ لي إلاّ أنْ أجثو وأطلب الصّفح. هذا ما دار في مُخيّلتي قبل انفراده بي.
عندما انتهى والديّ مِن سرد حكايتي، قال تُوني: "هيّا بيل. دعْنا نذهب لنُزهة قصيرة." تبعتُ تُوني إلى الحديقة وأنا مُطأطئ الرّأس، محدودب الكتفَين وساقيّ مُرتخيتَيْن. كُنتُ أعرف أنّه لن يضربني، لكنّني خشيتُ لسانه اللاّذع الّذي مِن شأنه أنْ يكون أشدّ وطأة. جلسنا على مقعد وسألني تُوني ما كانت مُشكلتي. فلجأتُ، بالطّبع، إلى ذريعة سهلة وقُلتُ له بأنّي أجِدُ صُعوبة في الدّراسة في المنزل، بسبب عدم قُدرتي على التّركيز بوُجود شقيقتيّ، اللّتَيْن كبرتا وأصبحتا تعملان الآن، إذ إنّهما تستقبلان صديقاتهما، للتّسلية واللّعب والتّرفيه، تمامًا عندما أودّ الدّراسة! لقد حرصتُ على تجنُّب موضوع تغيُّبي عن المدرسة ولَمْ يسأل هُو عن الموضوع. ثُمّ أضفتُ أنّه سيكون مِن الأفضل لي لو أنّي أُرسلتُ إلى مدرسة داخليّة.

1. 16. مِن هالة الرُّعب المُقدَّسة إلى البطل الدّمث
أصغى تُوني إليّ بانتباه، ولكنّه فاجأني للغاية بما قاله لي بعدئذ. فبدلاً مِن اللّسان اللاّذع الّذي كُنتُ اعتقد أنّي استحقّه، لفّني تُوني بذراعه وقال إنّه يفهم ما كُنتُ أعيشه، وإنّ الحياة صعبة بالنّسبة لي. غير أنّه عقّب بأنّه يشعر بقلق عميق إزاء عدم اهتمامي بما هُو شديد الأهميّة إذا ما أردتُ النّجاح في الحياة. تركتْ فيّ نبرة صوته وطريقة معالجته للوضع، في الحقيقة، أثَرًا عاطفيًّا بليغًا.
بكيتُ وأنا أشعر بانفراج وبحُبّ لهذا الرَّجُل الّذي فهمني فهمًا عميقًا. أصبح تُوني، مُنذئذ، بطلي.
بالمُناسبة، وبعد هذا اللّقاء صار أدائي في المدرسة مُطابقًا لبراعتي في الرّياضة.

1. 17. خاتمة
مع مُرور السّنين، اقتربنا تُوني وأنا مِن بعضنا البعض. وقد شكّلنا، هُو المُؤمن وأنا المُرتاب، تركيبةً غريبة، لكنّ تُوني جعل الأمر يسير على أحسن ما يُرام. إذ كانت نعمة الله (أو شيء مِن هذا القبيل!) تهديه وتُوجّهه. كُنّا في البداية إخوة باللّحم والدّم غير أنّنا أصبحنا إخوة بالرُّوح أيضًا.
كتب الشّاعر الهنديّ طاغور ذات مرة:
"يُريد الله له معبدًا مبنيًا مِن الحُبّ، بيد أنّ البشر جلبوا حجارة."
أعتقد بأنّ تُوني قد أدرك بأنّ الإيمان والعقيدة كذلك كانت مُجرّد حجارة، إذا لَم تَقُد إلى حُبّ النّاس.
ظلّ تُوني حتّى نهاية حياته مُخْلِصًا للكنيسة ولجمعيته المحبوبة. أتاه إلهام بأنْ يجعل مِن الكنيسة الكاثوليكيّة[6] كنيسة جامعة شُموليّة - تضمّ وتحتضن جميع النّاس مِن مسيحيّين وغير-المسيحيّين والمُشكّكين مِثلي. وعلّمني تُوني أنّ هُناك، في أراضي الله العظيمة والشّاسعة، فُسحة على مدخلها مكتوب: " لللأدريِّين"، حيث أنا محبوب ومُرحَّب بي. وهُناك فُسح للأشخاص مِن جميع الاتّجاهات والقناعات والمُعتَقَدات، حيث كُل امرئ مُرحَّب به ومحبوب. لَمْ يكُن تُوني أبدًا أكثر سعادة ممّا كان عليه عندما كان يختلط مع المسيحيّين أو الهندوس أو البُوذيّين أو المُسلمين، أو اللأدريِّين أو المُلحدين. أجَل، كان تُوني دِي مِلُّو أخ الجميع، وأخي على وجه الخُصوص.

1. 18. حاشية
نُقل جُثمان تُوني إلى وطننا الهند، ودُفن عند مدخل كنيسة القدّيس بُطرس رعيته السّابقة في باندرا (بُومباي). وقد أُزيلت مع الأسف، وهذا تعبير عن استيائي الشّخصيّ، لوحة قبره التّذكاريّة. لن يُزعِج هذا تُوني بتاتًا. فقد غادر ما هُو فانٍ وزائل وانتقل لينال المكانة الرُّوحيّة الّتي كان مُقدَّرًا لها.
يكون ذِكرنا، نحن البشر، بأعمالنا، الصّالحة مِنها والطّالحة. وقد قال ماركوس أنتُونيُوس في جنازة يُوليُوس قيصر:
"يعيش الشّرّ الّذي يصنعه النّاس مِن بعدهم، غير أنّ أعمالهم الصّالحة غالبًا ما تُدفَن مع عِظامهم."
كان سيتعيّن على ماركوس أنتُونيُوس أنْ يعمل استثناءً لشقيقي، إذ إنّ ما بقي حيًّا مِن ذِكراه وبعد فترة طويلة مِن وفاته، هُو أعماله الرّائعة والبديعة، وكرَمه، وحُنوّه، ورحمته، وظرافته، والأهمّ من ذلك كُلّه حُبّه للآخَرِين.

1. 19. شُكر
أنا مدين بشُّكري للكثيرين مِمّن يُحبُّون تعاليم شقيقي ويتبعونها. فقد دفعني اهتمامكم بحياة تُوني إلى كتابة هذه السّيرة القصيرة. ويحدو بي الأمل في أنْ تُساعدكم أحداث حياته الشّخصيّة على فهم تُوني بشكل أفضل.
أُقدّم شُكري الصّادق أيضًا إلى دافنِي Daphne والقس غُونزالڤِز Gonzalvez، الّلذَيْن أعطيا الكثير مِن وقتهما الثّمين لمساعدتي في تنقيح هذه السّيرة.

2. مَنْ هُو أنْتُوني دِي مِلُّو؟
أنْتُوني دِي مِلُّو كاهن يسوعيّ، هنديّ الأصل. كرَّس حياته ليكون "مُرشِدًا" للرّياضات الرُّوحيَّة. وقد استضاف العديد مِن الرّياضات الرُّوحيّة، فأصبح بسُرعة مُعلِّمًا رُوحيًّا.
أسَّس، في لونافلا Lonavla، في الهند، معهد "سادانا" Sàdhana (و"سادانا" تعني المشوار الرُّوحيّ، أو المسيرة الرُّوحيَّة) وأداره، وهُو مركز استشارات رعويّ، ليُكرِّس ذاته لتنشئة المُرشِدين الرُّوحيِّين، وذلك مِن خلال رَسْم مسيرات حياة دقيقة تقود إلى الله. فصار مُرشِدًا روحيًّا وكاتبًا ومحاضِرًا مشهودًا له دوليًّا.
يُرشد دِي مِلُّو الأشخاص بطريقة رائعة ومُباشَرة وغالبًا استفزازيّة، ودائمًا بظرافة وبساطة، مُعتمِدًا على رواية حكايات مُسليّة ونوادر وطرائف وأمثال، ونُكت، وحكايات، وسْط كُلّ هذا يُعطي اقتراحاته وتمارين ورياضات مِن أجْل مُمارسة التأمل بطريقة واعية.
كان نموذج رُوحانيّة دِي مِلُّو مُخالفًا أساسًا للعقيدة الكاثوليكيّة، لأنّ العديد مِن آرائه تأثَّرت بالبُوذيّ التّايلنديّ آجان تشاه Ajahn Chah المُعلِّم ومُؤسس الأديرة - الّذي كان، بحسب البعض، بمثابة المُعلِّم بالنّسبة له.
تُستَشفّ رسالة دِي مِلُّو الرُّوحيّة مِن خلال كُتبه الّتي هي ثمرة خُبُراته العديدة، مع مجموعات مُختلفة، في التّأمُّل والتّمعُّن والاستغراق...، وهي في الوقت عينه خُلاصة حياتيَّة لحياة تأمُّليَّة، مُوجَّهة لكُلّ البشر بكافَّة طوائفهم وأديانهم. وتتسمّ غالبًا برُوح الدّعابة الذّكي وبالاغتراف مِن مُحتوى الدّيانة المسيحيّة وتقاليد الدّيانات الشّرقيّة العميقة.
قال دِي مِلُّو ذات مرّة عن نفسه: "أنا لست كاتبًا"، بل "أنا حكواتي"... فأنا لا أكتب مقالات ودراسات بل حكايات وتأملات. وبالفعل، فإنّ كُتبه تتكوّن في مُجملها مِن مجموعات مِن النّوادر والحكايات والنّكات والطّرائف، مُستمدّة مِن مجموعة مُتنوِّعة مِن الثّقافات والبُلدان والدّيانات والتّقاليد الرُّوحيّة والفكاهة الشّعبيّة. ويكمن سحرها في أنّها تنتمي إلى تُراث البشريّة جمعاء، وفي أنّها خُلاصة وافية مِن الفُكاهة والحكمة والتّبصُّر، وفي أنّها دائمًا مُسلِّية ومُمتعة، أحيانًا مُزعِجة، ولكنْ في مُعظم الحالات تحثّ على التّفكير.

3. آثاره: رسالة الأب دِي مِلُّو الرُّوحيّة
خرج أنْتُوني دِي مِلُّو مِن نطاق العقيدة الضيّق، لفتح آفاق جديدة أمام البشر ودعا الجميع إلى إعادة التّفكير بما يُؤمنون به، ووضعه على ميزان الحقيقة وتمحيصه بنارها، لا كي يتخلّى المرء عن إيمانه بل ليصير إيمانه أكثر شُموليّة ونظرته أكثر إنسانيّة! ولهذا نعته الكثيرون بـ "نبيّ الأزمنة الحديثة"، على الرّغم مِن أنّه لَمْ يكن لديه نيّة تأسيس دين جديد أو مذهب جديد، بل إعادة تفسير الإنسان وحياته لاكتشاف قيمته الحقيقيّة والفعليّة!
يُشهَد لأنْتُوني دِي مِلُّو عالَميًّا بأنّه مُرشد رُوحي على مُستوى عالٍ. ويُعتبر واحدًا مِن المُعلِّمين الرُّوحيّين العِظام ومِن أكثر مُعلِّمي الحياة الدينيّة والرُّوحيّة تأثيرًا في السّنوات الخمسِين الأخيرة. ولا تزال قيمة أعماله تنمو بشكل مُتصاعِد مُنذ وفاته في عام 1987، وتتمتّع بنجاح مُتزايد، وتُحظى بشعبيّة خاصّة، على الرّغم مِن إدانة الكنيسة الكاثوليكيّة لها. فقد بيع مِنها أكثر مِن مليوني كتاب، وتُرجِمَت إلى أكثر مِن خمسين لُغة، وصار لديه عدد لا يُحصى مِن المُعجَبين في جميع أنحاء العالَم يتبعون تعاليمه.
عرف أنْتُوني دِي مِلُّو كيف ينقل فرحة الحياة بطريقة مُكثَّفة وفريدة مِن نوعها: موقف إيجابيّ العقليّة مفتاح النّجاح في جميع المجالات. فهُو يُشير إلى الطّريق نحو سلام العقل والقُوّة الدّاخلية بواسطة تعاليم بسيطة تدمج بين تقاليد الشّرق القديمة وتصوُّرات عِلْم النّفس والفلسفة في الغرب.
الكلمة المفتاح، في تعاليمه ورسالته، هي "التّوعية، الوعي، الصّحوة، الاستيقاظ": يقودنا دِي مِلُّو عِبر رحلة طويلة في دواخلنا الحميمة، كي نبحث عن ينبوع حياة جديدة ينبجس في أعماق دواخلنا والّذي غالبًا ما نضلّ أثره، بسبب انغماسنا بمشاغل الحياة اليوميّة السّريعة. مِن هُناك فقط، مِن خلال الاعتماد على دواخلنا نستطيع تضميد جُروحنا، والهيمنة على إرهاقنا ومللنا، واستعادة الطاقة الإيجابيّة فينا واكتشاف حاجاتنا ورغباتنا الحقيقيّة، فيُساعدنا على تبيان ما نحن عليه حقًّا. رسالته واضحة ومُباشَرة: "اعرفْ نفسك واستعِدْ حياتك." وهذا يعني أنّ المرء بإمكانه أنْ يكون سعيدًا، ومُحبًّا وحقيقيًّا وواقعيًّا الآن وهنا.
يُمكن للمرء أنْ يستمع إلى تسجيل لمجموعة مُحاضراته "استيقظْ للحياة"، وهي الوحيدة الّتي سمح بتسجيلها بكاملها. وقد وجد المُستمعون، في مُختلف أنحاء العالَم، في هذا برنامج تغيير الحياة. وهذه هي الحِكمة: أنْ نتبدَّل ونتغيَّر مِن دون أيِّ مجهود، أكان هذا قابلاً للتّصديق أم لا، فقط وبكُلِّ بساطة عندما نعي الواقع، الّذي ليس هُو بكلمات، والّذي يتجاوز الكلمات كلَّها.
فإذا كنّا محظوظين كفاية، لنصحو بهذه الطّريقة، سنعلم لِمَ أنَّ اللُّغة الأسمى هي اللُّغة اللامَحْكِيَّة، والفعل الأحلى هُو الفعل اللامفعول، وأنَّ التغيير الأجمل هُو التغيير اللامرغوب.
لقد ألهمت المحادثات القليلة التي سمح بتصويرها، مِثل "إعادة اكتشاف الحياة" و"الطريق إلى الله في أيامنا"، العديد مِن المُشاهدين والمُستمعين مُنذ إطلاقها، وقد شاهدها مئات الآلاف مِن مُشاهدي التّلفزيون في جميع أنحاء الولايات المُتّحدة، وكندا، وأمريكا الوُسطى؛ في المعاهد والجامعات ومراكز نيومان...

4. قراءة كُتُب دِي مِلُّو
نحتاج غالبًا لدقيقة واحدة فقط لقراءة كلٍّ مِنْ القصص والنّوادر الّتي يرويها في كُتُبه على لسان "مُعلِّم". وقد يبدو لنا كلام المُعلِّم مُحيِّرًا، استفزازيًّا، بل غير مفهوم! إذ ليست هذه الكُتب بالكُتب السّهلة أو الهيِّنة! وقد كُتبتْ لا كي تُعلِّم ويُثقِّف، بل كي تُوقِظ وتُوعِّي. ففي ثنايا صفحاتها هُناك حِكمة كامنة (وهذه لا يُمكن رُؤيتها في الكلمات المطبوعة، ولا في القصص، ولكنْ في رُوحها، في نَفْسها ونَفَسها، وفي مُناخها وجوِّها)، لا يُمكن نقلها بواسطة الكلام واللُّغة.
ولكنَّنا، ونحن نقرأ الصّفحات المكتوبة، مُحاولين تفسير كلمات المُعلِّم المليئة بالألغاز والأسرار، رُبَّما، عن قصد أو عن غير تعمُّد، سنجد أنفسنا أمام التّعليم المخفي الكامن في هذه الكُتب، فنصْحُو ونعي... ونبدأ مسيرة التغيير.
وهُو غالبًا ما يُحذِّر قُرّاءه بهذه العبارة:
"خُذوا هذه القصص بِجُرعات خفيفة: واحدة أو اثنتَيْن كُلَّ مَرَّة. لأنَّ "جُرْعة كبيرة" Overdose، تُخفِّض مِنْ فاعليَّتها!"

5. اقتباسات مِن كتاباته

بيضة النسر
·        وجد رجلٌ بيضة نسر، ووضعها في عشّ قنّ دجاج.
فَقَست البيضة في الوقت نفسه مع باقي البيض، فنما النّسر مع الصّيصان.
وتصرّف النّسر، طوال حياته، كما يفعل الدّجاج، ظانًّا أنّه واحد مِنهم.
فكان ينبش الأرض مُفتّشًا عن الدّيدان والحشرات. وكان يقرق ويقوقي، وكان يُحرّك جناحَيْه ليطير عدّة سنتميترات.
مضت السُّنون، وشاخ النّسر كثيرًا.
وفي أحد الأيام، رأى فوقًا مِنه في السّماء الصّافية، طائرًا رائعًا، جليلاً أنيقًا،
يُحلِّق وسط تيارات الهواء الشّديدة، مُحرِّكًا بالكاد جناحَيْه الذّهبيَّيْن القويَّيْن.
فرفع النّسر الشّيخ نظرةً مُتعجِّبًا. وسأل: مَن هذا؟
فأجابه جاره: "إنّه النّسر، مَلِك الطُّيور، إنّه ينتمي إلى السّماء،
أمّا نحن فننتمي إلى الأرض، فإنّنا مُجرّد دجاج."
وهكذا عاش النّسر ومات دجاجةً، لأنّه ظنّ نفسه كذلك.
مِن كتاب: التّوعية

·   قال سائح لدليله: "حُقَّ لك أنْ تفخر بمدينتك. لقد أعجبني خاصّة عدد الكنائس فيها. لا بدّ أنّ الناس هُنا يُحبُّون الربّ."
فأجابه الدّليل السّاخر: "لعلّهم يُحبُّون الرّبّ، لكنّهم قطعًا يكرهون بعضهم بعضًا كره العمى."

هذا يُشبه تلك الفتاة الصّغيرة الّتي سُئِلَتْ: "مَن هُم الوثنيّون؟"، فأجابت: "الوثنيون قوم لا يتقاتلون مِن أجْل الدين."
مِن كتاب: أُغنية العصفور

·        كان التلاميذ يتناقشون في قول للاو تسو Lao Tzu:
"إنَّ الّذين يعرفون لا يتكلّمون، وأمّا الّذين يتكلّمون فلا يعرفون".
وعندما دخل المُعلِّم، سألوه عن معنى هذه الكلمات.
فأجاب المُعلِّم: "مَنْ مِنْكم يعرف شذا الزّهرة؟"
فأشار جميعهم بأنّهم يعرفونها.
فقال لهم: "عبِّروا الآن عنها بكلمات".
فصَمَت الجميع.
مِن كتاب: دقيقة حِكمة

·        "مَا هُوَ الحُبُّ؟"
فَقَالَ المُعَلِّمُ:
"غِيَابُ الخَوْفِ الكُلّي".
"وَمِمَّا نَخَافُ؟"
أَجَابَ المُعَلِّمُ:
"مِنَ الحُبِّ".
مِن كتاب: دقيقة حِكمة

·        "هل أستطيع أنْ أُصبح تلميذًا لك؟"
"إنَّك تلميذ، فقط لأنَّ عينَيْكَ مُغلقتَين.
ويوم تفتحهما، سترى أنَّ ليس ثمّة شيء تتعلَّمه مِنِّي، أو مِن أيِّ شخص آخَر".
"وما نفع المُعلِّم إذًا؟"
"ليُفهِمك عدم جدوى أنْ يكون لكَ مُعلِّم".
مِن كتاب: دقيقة حِكمة

·        إذا ما جاء الله لإنقاذكم وانتشالكم مِن المتاعب، فقد حان الوقت لكي تبدأوا البحث عن الإله الحقّ.
·        الشّكّ صديق الإيمان. بينما الخوف عدو الإيمان.
مِن كتاب: الينابيع

·   بمُجرَّد أنْ تنظر إلى العالَم مِن خلال إيديولوجيّا، فأنت مُنتهٍ. لا حقيقة تتوافق مع أيّ إيديولوجيّا. فالحياة أبعد مِن ذلك. هذا ما جعل النّاس في بحث مُستمرّ عن معنى للحياة... يُمكن إيجاد معنى ما فقط عندما تتجاوز هذا إلى ما وراء المعنى. الحياة سرّ لا يُمكن فهمه بواسطة تصوُّرات عقليّة.
·   إنه لسرٌّ عجيب أنّه على الرّغم مِن أنّ قلب الإنسان يتوق إلى الحقيقة، وفيها وحدها يجد الحُرّيّة والبهجة، أنّ تكون أول ردّة فعل بشريّ أمام الحقيقة هو العداء والخوف!
·   ليس هُناك سوى سبب واحد للتّعاسة: مُعتقداتك الخاطئة، فالمُعتقدات شائعة على نطاق واسع جدًّا، بحيث لا يخطر في البال أنْ نُناقشها.
·   يُبيّن الألم والمُعاناة أنّ هُناك كذب في مكان ما. فهذا يحصل لدى اصطدام الأوهام بالواقع. عندما تصطدم أوهامك بالواقع، عندما تصطدم أكاذيبك بالحقيقة، عندئذ فأنت تتعذّب، خلافًا لذلك لا يُوجَد عذاب.
·   إنّ النّاس الّذين يرغبون بالعلاج، شريطة أنْ يكون ذلك مِن دُون ألم، مِثل أُولئك الّذين يُؤيّدون التّطوُّر، شريطة أنْ يكون ذلك مِن دُون تغيير.
·   وَهْم آخَر أنْ تظنّ أنّ للأحداث الخارجيّة القُدرة على إيذائك، أنّ للآخَرِين القُدرة على إيذائك. هذا غير صحيح. فإنّك أنت مَن يُعطيهم هذه السُّلطة.
·        الطّاعة تُحافظ على القوانين. الحُبّ يعرف متى يُخالفها.
·        لا تشكو أبدًا ممّا كُنتَ قد سمحت به.
·   افهمِ العراقيل الّتي تضعها في طريق المحبّة والحُرّيّة والسّعادة ولسوف تسقط. أشعِلْ نُور الوعي ولسوف يتلاشى الظّلام. ليست السّعادة شيئًا تكتسبه؛ ليس الحُبّ شيئًا تُنتجه؛ وليس الحُبّ شيئًا تمتلكه، فالحُبّ هُو الّذي يملكك.
·   إذا كُنت تُريد السّلام، فاسعَ كي تُغيِّر ذاتك، وليس الآخَرِين. فإنّه لَمِن الأسهل أنْ تحمي قدميْك بِنعال بدلاً مِن تغطية الأرض كُلّها بالسجاد.
·   سأكتب، يومًا ما، كتابًا بعُنوان "أنا حمار وأنت حمار"، فهذا أقصى التحرُّر، وأروع شيء في العالَم، عندما تُقرّ صراحةً أنّك حمار. إنّه لبديع. عندما يقول لي النّاس: "أنت مُخطئ." فسأُجيب: "وماذا تتوقّعون مِن حمار؟"
·        عندما تبدأ بإتّباع شخص آخَر، تتوقف عن إتّباع الحقيقة.
·   الحياة سرّ، وهذا يعني أنّ تفكيرك العقلانيّ غير قادر على فهم كنهها. لهذا عليك أنْ تصحو وعندئذ ستُدرِك فجأة أنْ ليس مِن مُشكلة في واقع الحياة، بل أنت فقط المشكلة.

6. دِي مِلُّو والكنيسة الكاثوليكيّة
أعلن مجمع العقيدة والإيمان في الڤاتيكان في عام 1998، أي بعد وفاته بإحدى عشرة سنة، أنّ بعض الآراء الواردة في كتب دِي مِلُّو (أو المنسوبة إليه) تتنافى والعقيدة الكاثوليكيّة. وقد وقّع هذه المُذكَّرَة الكاردينال يُوزِف رَاتْسِينْغِر Joseph Ratzinger، الّذي أصبح فيما بعد البابا بِنِديكْتُوس السّادس عشر.
أُدرجَت هذه المُذكَّرة، بادئ الأمر، في نهاية كُتب دِي مِلُّو، إلاّ أنّها استُبدِلَت فيما بعد بهذه المُلاحظة المُقتضَبة:
أُلَّفَت كُتُب أنْتُوني دِي مِلُّو في إطار مُتعدِّد الأديان
لكي تُساعد أتباع الدّيانات الأُخرى، واللأدريِّين والمُلحدين
في حياتهم وسعيهم الرُّوحيَّيْن
ولم يضع المُؤلِّف هذه الكتابات لتكون بمثابة مرجع
لتنشئة المُؤمنين الكاثوليكيِّين في التّعاليم والعقيدة المسيحيَّتَيْن.

بالرّغم مِن سريان مفعول قرار مجمع العقيدة والإيمان في الكنيسة الكاثوليكيّة، إلاّ أنّ كتابات دِي مِلُّو ما زالت مُتوفِّرة في العديد من المكتبات الكاثوليكيّة وقيد التّداول مِن قِبل العديد مِن الكاثوليك وأتباع المذاهب المسيحيّة الأُخرى الّذين يقرؤونها بكُلّ احترام.

6 .1. حُكْم الـﭭاتيكان
جاء الحُكْم في وثيقتَيْن صادرتَيْن عن الدّوائر الـﭭاتيكان الرّسميّة، ونُورد هُنا ترجمة كاملة لهما:

6. 1. 1. مُذكَّرة عن كتابات الأب اليسوعيّ أنْتُوني دِي مِلُّو
مجمع العقيدة والإيمان

صار الأب اليسوعيّ الهنديّ أنْتُوني دِي مِلُّو (1931-1987) مشهورًا بكتاباته المنشورة والمُترجمة إلى لُغات مُختلفة، والمُنتشرة على نحو واسع في كثير مِن البُلدان، على الرّغم مِن أنّ بعض النُّصوص نُشرت مِن دُون إذنه. تحمل مُؤلَّفاته، الّتي غالبًا ما تكون على شكل قصص قصيرة، عناصر ذات قيمة مِن الحكمة الشّرقيّة، الّتي قد تُساعد في السّيطرة على الذّات، والتّحرُّر مِن الارتباطات والمُؤثّرات الّتي تمنعنا مِن أنْ نكون أحرارًا، وأن نُواجه بهدوء واتّزان أحداث الحياة الموآتية أم المُعاكسة.
ولكنْ يُلاحَظ، في بعض مقاطع مؤلَّفاته الأُولى، وبشكل أوضح في كُتبه اللاَّحقة، ابتعاد مُطرد عن مضمون الإيمان المسيحيّ الجوهريّ. فقد استبدل الله، في الوحي الحاصل بالمسيح، بإله مِن دُون شكل ولا صُورة، حتّى إنّه يقول بإله هُو مُجرَّد فراغ.
يكفي النَّظر مُباشرة في الكون لرُؤية الله. لا يُمكن قول أيّ شيء عن الله، فالمعرفة الوحيدة هي اللاَّمعرفة. وإنّ مُجرّد طرح مسألة وُجود الله لا معنى له. وقد آلت هذه السَّلبيّة الجذريّة إلى أنْ يُنكر أنّه ثمّة تأكيدات صحيحة عن الله في الكتاب المُقدَّس. فإنّ أقوال الكُتب المُقدَّسة ما هي إلاّ إشارات تُساعد على الوُصول إلى الصّمت. ويُصبح الحُكم على كُتب مُختلف الدّيانات المُقدَّسة، في بعض المقاطع، مِن دُون استثناء الكتاب المُقدَّس، قاسيًا للغاية: إنّها تمنع الأشخاص مِن إتّباع رجاحة عقلهم وتجعلهم قُساة وذوي عقل بليد. ويجعل مِن الدِّيانات، ومِن بينها المسيحيّة، العائق الأساسيّ أمام اكتشاف الحقيقة. غير أنّه لا يُحدِّد أبدًا مضمون ماهيّة الحقيقة الدَّقيق. ويُعتبَر أنّ التَّفكير بأنّ إله أيّ ديانة هُو الإله الوحيد لَهُو مِن قبيل التَّزمُّت والتَّعصُّب. ويُعتبَر الله حقيقة كونيّة غامضة، كُلِّيّة الوُجود، حيث تُنكَر صفاته الشّخصيّة وتُهمَل.
يُظهِر الأب دِي مِلُّو أنّه يُقدِّر المسيح، ويُعلِن نفسه تلميذًا له، لكنّه يعتبره مُعلِّمًا بين آخَرين. والفارق الوحيد بين يسوع وبقيّة النَّاس أنّه كان "واعيًا"، وحُرًّا بالكامل، بينما الآخَرون ليسوا كذلك.
لا يعترف به أنّه ابن الله، بل فقط ذاك الَّذي يُعلِّمنا أنّ الجميع هُم أبناء الله. وتُثير أيضًا الرّيبة تصريحاته عن مصير الإنسان النِّهائي. فأحيانًا يُحكى عن "ذوبان" في الله اللاَّشخصيّ، مِثل الملح في الماء. وأحيانًا أُخرى، تُعتبر مسألة المصير بعد الموت غير ذات أهمّيّة. فيجب الاهتمام بالحياة الحاضرة فقط. وأمّا فيما يتعلّق بهذه الحياة، فلا يُوجد قاعدة أخلاقيّة موضوعيّة، إذ إنّ الشّرّ هُو جهل وحسب. فالخير والشّرّ هُما مُجرّد اعتبارات ذهنيّة مفروضة مِن الواقع.
يُمكننا أنْ نفهم، في كُلِّ ما تمّ استعراضه، وبحسب الكاتب، أنّ كُلّ عقيدة أو اعتراف إيمان، أكان هذا بالله أو بالمسيح، لا يُمكنها إلاّ أنْ تُعيق بُلوغ الحقيقة. وقد طردت الكنيسة الله مِن الهيكل، لأنّها جعلت مِن كلمته في الكُتب المُقدَّسة صنمًا (إيديولوجيّا)، وبالتّالي فقد فقدت سُلطة التَّعليم باسم المسيح.
يعتبر مجمع العقيدة والإيمان واجبًا عليه، في هذه المُذكَّرة، أنْ يُعلن، رغبةً مِنه في حماية خير المُؤمنين، أنّ المواقف المُعلَنة أعلاه هي مُخالفة للإيمان الكاثوليكيّ، ويُمكن أنْ تُسبِّب بأضرار بالغة.
وافق الحبر الأعظم يُوحنّا بولس الثّاني، على هذه المُذكَّرة وأمر بنشرها، وذلك خلال استقباله الرَّئيس المُوقِّع أدناه، والَّتي كان قد اتُّخذ القرار بشأنها أثناء جلسة مجمع العقيدة والإيمان العاديّة.
رُوما، في مقرّ مجمع العقيدة والإيمان، 24 حزيران 1998، عيد مولد يُوحنّا المعمدان.

الكاردينال يُوزِف رَاتْسِينْغِر، رئيس.
تَارْتِشيزْيُو بِرْتُونِهTarcisio Bertone ، سالزيان دُون بوسكو، رئيس أساقفة فيركيليوم المُتقاعد، أمين سرّ.

6. 1. 2. حاشية توضيحيّة

لقد راجت كتابات القس اليسوعيّ الهنديّ، الأب أنْتُوني دِي مِلُّو (1931-1987)، على نطاق واسع في الكثير مِن بُلدان العالَم وبين شُعوب مِن مُختلف الخلفيات والثّقافات.[7]
جمع الأب دِي مِلُّو في هذه الأعمال، الّتي غالبًا ما تتّخذ شكل حكايات أو طرائف قصيرة مُقدَّمة بأُسلوب سهل المنال والقراءة، عناصر مِن الحِكمة الشّرقيّة الّتي قد تُساعِد في تحقيق التّحكُّم بالذّات أو السّيطرة على النّفْس Self-Control، وذلك مِن خلال التّحرُّر مِن كُلّ ارتباط أو "تعلُّق" والتغلُّب على جميع التّبعيّات والتّأثيرات الّتي تُبقينا بعيدين مِن أنْ نكون حقًّا أحرارًا؛ ومِن خلال تجنُّب الأنانيّة؛ ومِن خلال مُواجهة صُعوبات الحياة بهُدوء ودُون السّماح لأنفسنا بالتأثُّر بالعالَم المُحيط بنا، شريطة أنْ نُدرِك في الوقت عينه مدى غناه. ومِن الهامّ هُنا أنْ نُشير إلى أنّه يُمكن العُثور، في الكثير مِن كتابات الأب دِي مِلُّو، على مِثْل هذه الميزات الايجابيّة. ولا سيّما في الأعمال الّتي يعود تاريخها إلى سنوات عمله الأُولى مُرشِدًا للرّياضات الرُّوحيّة. لقد ظلّ الأب دِي مِلُّو في الكثير مِن الجوانب داخل حُدود الرُّوحانيّة المسيحيّة، على الرّغم مِن أنّ أعماله تكشف عن تأثُّره بالبُوذيّة وتيارات التّاويّة Taoism  الرُّوحيّة. فقد تكلّم عن الانتظار في الصّمت، والصّلاة مِن أجْل مجيء الرُّوح، هبة الآب النّقيّة (التّواصُل مع الله: مُحاضرات رياضة رُوحيّة. 3-7). ويُقدّم أيضًا عرْضًا مُمتازًا عن صلاة يسوع، والصّلاة الّتي علّمنا إياها يسوع، جاعلاً مِن "الأبانا" قاعدة أساسيّة له (المرجع نفسه، 42-44). كما أنّه يتحدّث عن الإيمان، والتّوبة والتّأمُّل في أسرار حياة المسيح وفقا لطريقة القدّيس إِغْنَاسْيُو. ففي كتابه "سادانا: طريق إلى الله"، في طبعته الأُولى سنة 1978، يشغل يسوع موقِعًا رئيسيًّا، لا سيّما في الجُزء الأخير ("العِبادة"، 99-134). ويتكلّم عن صلاة الالتماس والشّفاعة كما علّمها المسيح في الإنجيل، وعن صلاة التّضرُّع لاسم يسوع وتمجيده. وقد كرّس كتابه لمريم العذراء المُبارَكة، على أنّها نموذج حياة التّأمُّل (المرجع نفسه، 4-5).
ولكنّه بدأ في هذا الكتاب عينه بتطوير نظريّته عن التّأمُّل والتّوعية، والّتي تبدو أنّها لا تخلو مِن غُموض. فقد ساوى، في بداية الكتاب، ما بين مفهوم الوحي المسيحيّ ولدى لاو-تسي Lao-tse، مع تفضيل لهذا الأخير: "قال لاو-تسي: 'الصّمت هُو الوحي العظيم'. فإنّنا قد تعوّدنا على التّفكير بأنّ الكتاب المُقدَّس وحيٌّ مِن الله، وهُو كذلك. غير أنّي أودّ أنْ تكتشفُوا الآن الوحي الّذي يُنتجه الصّمت" (9؛ راجع المرجع نفسه، 11). عندما نعي أحاسيسنا الجسديّة، فإنّنا نتواصل مع الله، تواصُلٌ يُمكن إيضاحه بهذه العبارات: "يقول لنا الكثير مِن المِيستِيكيِّين Mystics  إنّنا جميعنا قد وُهِبْنا، بالإضافة إلى العقل والقلب الّتي عادة ما نتواصل بواسطتهما مع الله، عقل مِيستِيكيِّ وقلب مِيستِيكيِّ Mystical، وهي مَلِكة تجعل معرفة الله المُباشرة بالنّسبة لنا مُمكنة، مع إمكانية إدراكه وحدْسه في كيانه بالذّات، وإنْ بطريقة مُبهَمة..." (المرجع نفسه، 25). يأتي هذا الحدْس، الخالي مِن الصُّوَر أو الأشكال، مِن فراغ: "لكن إلى ماذا ناظرٌ أنا عندما أتفرّس بصمتٍ في الله؟ إنّها حقيقة لا شكل لها ولا صُورة، بل مُجرَّد خواء." (المرجع نفسه، 26). فللتّواصل مع المُطلَق لا بُدّ مِن "التّفرُّس بالخواء." وبذلك يصل المرء إلى "استنتاج ظاهرًا مُربِك: إنّ التّركيز على تنفُّسك أو أحاسيس جسدك هُو تأمُّل جيّد جدًّا بمعنى الكلمة الدّقيق" (المرجع نفسه، 29-30). ويتكلّم، في أعماله اللاّحقة، عن "الصّحوة" والتّنوير الدّاخليَيْن أو المعرفة: "كيف تتمّ الاستفاقة؟ وكيف سنعرف أنّنا غافون؟ عندما يُبصِر المِيسْتِكِيُّون ما يُحيط بهم، يكتشفون فرحًا إضافيًّا يتدفّق في قلب الأشياء. وهُمْ يُعَبِّرون بإجماع عن هذَيْن الفرح والمحبة اللذَيْن يتدفقان في كُلّ مكان... كيف يتمّ تحقيق ذلك؟ بالإدراك. وبالتّحرُّر مِن الأوهام والأفكار الخاطئة" (المشي على الماء، 77-78؛ راجع دعوة إلى الحُبّ، 97). إنّ التّنوير الدّاخليّ هُو الوحي الحقيقيّ، وأكثر أهمّيّة بكثير مِن ذلك الّذي يأتينا مِن الكتاب المُقدَّس: "وعد مُعلِّم تلميذًا بوحي تفوق نتائجه كُلّ ما تحتويه الكُتُب المُقدَّسة... إذا كانت لديك المعرفة تستخدم شُعلة لتُبِيِّن الطّريق. ولكنْ عندما تكون مُستنيرًا تُصبح أنت الشُّعلة" (صلاة الضفدع الجُزء الأوّل، 86-87).
ليست القداسة إنجازًا، بل نعمة. نعمة اسمها الوعي أو اليقظة، نعمة اسمها البصر، والبحث، والمُراقبة والإدراك. إذا أردت أنْ تُشعِل نُور الوعي وتُراقب ذاتك وكُلّ ما حواليك على مدار اليوم، وإذا ما رأيْتَ ذاتك مُنعَكِسة على مرآة الوعي بالطّريقة نفسها الّتي ترى فيها وجهك مُنعَكِسًا في مرآة... وإذا أدركتَ هذا الانعكاس مِن دُون أيّ حُكم أو إدانة، فستختبر جميع أشكال التغييرات الرّائعة الحاصلة فيك (دعوة إلى الحُبّ، 96).
وصل الأب دِي مِلُّو تدريجيًّا، في كتاباته اللاّحقة هذه، إلى مفاهيم عن الله، والوحي، والمسيح، ومصير الإنسان الشّخصيّ الأخِير، إلخ، والّتي لا يُمكن التّوفيق بينها وبين عقيدة الكنيسة. إذْ إنّ الكثير مِن كُتبه لا تأخذ شكل التّعليم المنطقيّ، بل هي مجموعات مِن أقاصيص قصيرة غالبًا ما تكون ذكيّة للغاية، والّتي قد يصعُب تمييز أفكارها الكامنة. وهذا ما يحدو إلى لفت الانتباه إلى أنّ بعض جوانب فكره يتّضح، في أشكال مُختلفة، في عمله ككُلّ. سنستخدم نُصوص المُؤلِّف نفسه، التي تُعَبِّر بخصائصها بوضوح عن الفكر الكامن فيها.
يُصدِر الأب دِي مِلُّو، في مُناسبات مُختلفة، تصريحات عن الله يرفض فيها طبيعته الشّخصيّة، وإذا لَمْ يُنكر وُجوده بالمُطلَق، فإنّه يختزله إلى حقيقة كونيّة غامضة موجودة في كُلّ مكان. ووفقًا للمُؤلِّف، لا أحد يستطيع أنْ يُساعدنا على إيجاد الله، تمامًا كما لا يستطيع أحد أنْ يساعد الأسماك في البحر في العُثور على المُحيط (راجع دقيقة الحكمة 67؛ التّوعية، 103). وكما أنّ الشّمس وضوؤها، والمُحيط والموجة ليسا لا بواحد ولا باثنيْن، فكذلك هُو الله وكُلّ واحد مِنّا ليس بواحد ولا باثنيْن (راجع دقيقة حكمة، 34). ويعرض بمزيد مِن الوضوح مسألة الأُلوهة الشّخصيّة بهذه العبارات: "لقد صاغها داغ هامَّارْشُولْد Dag Hammarskjöld، أمين عام الأُمم المُتّحِدة السّابق، بشكل جميل: "لا يموت الله في اليوم الّذي نكفّ فيه عن الإيمان بأُلوهية شخصيّة..." (التّوعية، 126؛ الفكرة نفسها موجودة في: الاستنارة هي الرُّوحانيّة، 60). "إذا كان الله هُو الحُبّ، مِن ثَمّ فهل تكون المسافة بين الله وبينك هي بالضّبط المسافة بين الوعي وبينك؟" (دقيقة هراء، 266).
ثُمّ إنّه ينتقد ويسخر غالبًا بنوع خاصّ مِن أيّ مُحاولة للكلام عن الله، وذلك انطلاقًا مِن لاهوت سلبيّ أُحاديّ الجانب ومغالَى فيه، والّذي هُو نتيجة مفهوم الله المذكور أعلاه. وكثيرًا ما يتمّ التّعبير عن العلاقة بين الله والخلق بصُورة الرّاقص والرّقص الهندوسيّة: أرى يسوع المسيح ويهوذا، وأرى الضّحايا والمُضطِهدين، والقَتَلة والمصلوب: لحن واحد ونُوتات مُتنافِرة... رقصة واحدة بخطوات مُتَنَوِّعَة... فأقف أخِيرًا أمام الرّبّ. أراه الرّاقص وكُلّ هذا الشّيء المجنون، والأخرَق، والمُبهِج، والمُفجِع والسَّنِيّ، الّذي ندعوه الحياة، رقصته... (ينابيع: كتاب رياضات رُوحيّة، 200-201؛ وأغنية العصفور، 16).
مَن أو ما هُو الله وما هُم النّاس في هذا "الرّقص"؟ وأيضًا: "إذا كُنت ترغب في رُؤية الله، فراقبْ بعناية الخليقة. ولا تنبُذْها؛ ولا تُفكِّرْ بها. بل انظرْ فقط إليها" (أُغنية العصفور، 27). ليس واضحًا على الإطلاق، في هذا الوصف، كيف يقوم المسيح بدور وساطته مِن أجْل معرفة الآب. "مُدركًا أنْ ليس لله أيّ علاقة بالفكرة الّتي أصوغها عنه... ثمّة طريقة واحدة لمعرفته: باللاّمعرفة" (المشي على الماء، 12؛ راجع المرجع نفسه، 13-14؛ التّوعية، 123؛ صلاة الضّفدعة، الجُزء الأوّل، 268). وبالتّالي، لا يستطيع المرء، فيما يتعلق الله، أنْ يقول شيئًا: "يرتكب المُلحِد الغلطة بإنكار ما لا يُمكن القول عنه شيئًا... ويرتكب المُؤمن الغلطة بتأكيد وُجوده" (دقيقة هراء، 21؛ راجع المرجع نفسه، 336).
لا تُمَكِّننا حتّى الكُتب المُقدَّسة، ومِن ضِمنها الكتاب المُقدَّس، مِن معرفة الله، بل هي فقط بمثابة إشارات طريق، وهي لا تقول لي شيئًا عن المدينة الّتي أنا ذاهب إليها: "...لقد وصلت إلى إشارة تقول 'بُومباي'".... ليست هذه الإشارة بُومباي! وفي الواقع لا تبدو حتّى كبُومباي. فهي ليست صُورة لبُومباي. إنّها إشارة. وهكذا هي الكُتُب المُقدَّسة إشارة أو لافتة" (المشي على الماء، 13). وإذا تابع المرء التّفكير على مِنوال هذه الاستعارة، يُمكنه أنْ يقول إنّ إشارة الطّريق تُصبح عديمة الجدوى عندما أبلُغ وُجهتي، وهذا على ما يبدو ما يُريد الأب دِي مِلُّو قوله: "إن للكتاب المُقدَّس جانب فائق الأهميّة، فالأصبع يدُلّ على النُّور. ونحن نستخدم كلماته لنتجاوز التّصوُّرات ونبلُغ إلى الصّمت" (المشي على الماء، 16). ويا لَلمفارقة لم يُعبِّر الله في وحيه بكلماته، بل بالصّمت (راجع دقيقة حكمة، 118، 157، 191، الخ؛ التّوعية، 101). "يُبيِّن لنا الكتاب المُقدَّس المسار فقط، كما في كُتب الإسلام والبُوذيّة المُقدَّسة، الخ." ("الاستنارة هي الرُّوحانيّة، 64).
وبالتّالي يتمّ هُنا التّبشير بإله لاشخصيّ Impersonal ، يفوق ما تُعلِّمه الدّيانات جميعها، وفي الوقت عينه تُثار اعتراضات على إعلان إله المحبّة المسيحيّ، الّذي يتعارَض وفكرة ضرورة الكنيسة لنيل الخلاص:
"ذهبتُ وصديقي إلى المعرض: مـعـرض الأديـان الـعـالمـيّ... أعطونا، في الجناح اليهوديّ، نشرة تقول إنّ الله رحيم وإنّ اليهود شعبه المُختار. اليهود وحدهم دُون غيرهم مِن الشُّعوب اختِيروا شعبًا لله. وتَعَلَّمنا، في الجناح الإسلاميّ، أنّ الله رحمن رحيم، وأنّ مُحمَّد نبيّه الوحيد، وأنّ الخلاص يتمّ بإتّباع رسول الله الوحيد. واكتشفنا، في الجناح المسيحيّ، أنّ الله محبّة، وأنْ لا خلاص خارج الكنيسة. فإمّا أنْ تنضمّ إلى الكنيسة أو تُعرِّض نفسك للهلاك الأبديّ. في طريقنا للخُروج سألت صديقي: "ما قولك في الله؟" أجاب: "إنّه مُتزمِّت، مُتعصِّب، قاسٍ." عند عودتي إلى البيت قُلت لله: "ربّي، كيف تُعِدّ مِثل هذا الأمر؟ ألا تراهم يشينون اسمك مُنذ قُرون؟" قال الله: "لستُ أنا مَن نَظِّم المعرض. الواقع أنّي أخجل مِن زيارته." ("معرض للأديان العالَميّ" في أغنية العصفور، 186-187؛ راجع المرجع نفسه، 189-190، 195).
لَمْ يتمّ تقديم تعليم الكنيسة عن مشيئة الله الخلاصيّة الشّاملة وخلاص غير-المسيحيّين بشكل صحيح، ولا رسالة المسيحيّة القائلة بأنّ الله محبّة: "'الله محبّة. وهو يُحبّنا ويُكافئنا مكافأة أبديّة إذا ما حفظنا وصاياه'. 'إذا'؟ قال المُعلِّم، 'فمِن ثَمّ ليس الخبر سارًا جدًّا، أليس كذلك؟" (دقيقة هراء، 198؛ راجع المرجع نفسه، 206). كُلّ ديانة غير واقعيّة عقبة أمام بُلوغ الحقيقة. وعلاوة على ذلك، فإنّ ما يُقال عن الكتاب المُقدَّس ينطبق أيضًا على الدّين بشكل عامّ: "أراد جميع المُتعصِّبين التّركيز على إلههم وجعله الإله الأوحد" (الاستنارة هي الرُّوحانيّة، 65؛ راجع المرجع نفسه، 28،30). ما يهمّ هُو الحقيقة، أسواء جاءت مِن بُوذا أَمْ مِن مُحمَّد، إذ "إنّ المُهمّ هُو اكتشاف الحقيقة التّي فيها تلتقي معًا الحقائق جميعها، لأنّ الحقيقة واحدة" (المرجع نفسه، 65). "لدى مُعظم النّاس، للأسف، ما يكفي مِن الدّيانة ليكرهوا ولكنْ ليس القَدْر الكافي ليُحبُّوا" (صلاة الضّفدعة، الجُزء الأوّل، 104؛ راجع المرجع نفسه، 33، 94). عندما تُدرَج المعوقات الّتي تمنع رُؤية الواقع، يأتي الدّين في المُقام الأوّل: "أوّلا مُعتقداتك. إذا كُنت تحيا حياتك كشيوعيّ أو رأسماليّ، أو كمُسلم أو يهوديّ، فإنك تُواجه الحياة بطريقة مُتَحَيِّزَة ومُنحرِفة؛ ثمّة حاجز، طبقة مِن الدُّهون بين الواقع وبينك، لأنّك لَمْ تَعُدْ تراه وتلمسه مُباشرةً" (دعوة إلى الحُبّ، 30-31). وأضاف "لو كان لدى جميع البشر مِثل هذه القلوب، لَمَا فكّر النّاس بأنفسهم كشيوعيِّين أو رأسماليّين، كمسيحيّين أو مُسلمين أو بُوذيّين. وسيُبيّن لهم تفكيرهم النّاصع أنّ كُل تفكير، والمفاهيم والمُعتقدات جميعها هي مصابيح مليئة بالظّلام، علامات على جهلهم" (المرجع نفسه، 94؛ راجع أيضًا دقيقة حكمة، 159 و217، في مخاطر الدّين). وكُلّ ما قيل عن الدّين ينطبق تمامًا على الكتاب المُقدَّس (راجع أغنية العصفور، 186 وما يتبعها؛ دقيقة هراء، 19).
لقد أضعف بُنوة المسيح الإلهيّة ووضعها في مُستوى مفهوم بُنوة النّاس الإلهيّة العامّة: "على هذا، أجاب الله: 'يوم العيد مُقدَّسٌ، لأنّه يُبيّن أنّ جميع أيّام السّنة مُقدَّسةٌ. والمعبَد مُقدَّسٌ لأنّه يُظهِر أنّ جميع الأماكن مُقدَّسة. لذلك وُلد المسيح ليُعلِن أنّ البشر جميعهم أبناء الله"' (أُغنية العصفور، 189). أبدى الأب دِي مِلُّو انتماء والتزامًا شخصيَّيْن بالمسيح، الّذي يُعلن نفسه تلميذًا له (الينابيع، 122)، والّذي يُؤمن به (المرجع نفسه، 113) ويلتقي به شخصيًّا (المرجع نفسه، 115 وما يتبع، 124 وما يتبع). الّذي حُضوره يُغيّر الهيئة ويُشقلب الأوضاع (راجع المرجع نفسه، 92 وما يتبع). غير أنّ هُناك بعض البيانات الأُخرى مُقلِقة. كما عندما يُشار إلى يسوع على أنّه واحد بين مُعلِّمِين عديدين: "لاو تسو وسُقراط وبُوذا والمسيح، وزاراتُوشترا Zarathustra ومُحمَّد (دقيقة حكمة، 2). ويبدو يسوع وهُو على الصّليب كالشّخص الّذي حرّر نفسه تمامًا مِن كُلّ شيء:
"أرى المصلوب مُجرَّدًا مِن كُلّ شيء: فهُو مسلوب الكرامة... ومُجرَّد مِن سُمعته... ومِن الدّعم... ومُجرَّد مِن إلهه... وعندما أنظر إلى تلك الجُثّة الهامدة أُدرك رُويدًا رُويدًا بأنّي ناظر إلى رمز التّحرير الفائق والشّامل. لقد أصبح يسوع بصلبه حيًّا وحُرًّا... وهكذا أنا أتأمّل الآن في عَظَمَة الإنسان الّذي حرّر نفْسه مِن كُل ما يجعلنا عبيدًا، ويُدمِّر سعادتنا... (الينابيع، 95-97).
يسوع على الصّليب إنسان حُرّ مِن كُلّ الارتباطات، وبالتالي يُصبح رمزًا للتحرُّر الدّاخليّ مِن كُلّ ما نتعلّق به. ولكنْ أليس يسوع أكثر مِن مُجرَّد إنسان حُرّ؟ أليس يسوع مُخلِّصي أم أنّه فقط يُوجّهني نحو حقيقة خفية خلّصها هُو؟ "'ربِّي، هل سألمس أبدًا الينبوع الّذي مِنه تتدفّق كلماتك وحكمتك؟... هل سأجد أبدًا ينابيع شجاعتك؟"' (الينابيع، 123). "والشّيء الرّائع لدى يسوع أنّه لَمْ يشعر بالغُربة مع الخطأة، فقد أدرك أنّه لَمْ يكن أفضل مِنهم... والفارق الوحيد بين يسوع وبين هؤلاء هُو أنّه كان واعيًّا بينما لم يكونوا هُم كذلك" (التّوعية، 30-31؛ راجع أيضًا: الاستنارة هي الرُّوحانيّة،30 ، 62). ليس حُضور المسيح في الإفخاريسْتيّا سوى حُضور رمزيّ، علامة لحقيقة أكثر عُمقًا: حُضوره في الخليقة. "إنّ الخليقة كُلّها جسد المسيح، فيما أنتم تعتقدون أنّه فقط في الإفخاريسْتيّا. وتدلّ الإفخاريسْتيّا على هذا الخلق. إذ إنّ جسد المسيح حاضر في كُلّ مكان غير أنّكم لَمْ تلحظوه إلاّ في رمزه الدّالّ على ما جوهريّ وأساسيّ، أي الحياة" (الاستنارة هي الرُّوحانيّة، 61).
يبدو أنّ مصير الإنسان آيل إلى الانحلال، كذوبان الملح في الماء: "وقبل أنْ يذوب جُزء دمية [الملح] الأخير، هتفت مُتعجِّبَة: "الآن أعرف مَن أنا!"، (أُغنية العصفور، 125). وفي مكان آخَر، يُعلَن أنْ مسألة الحياة بعد الموت غير مُهمّة: "ألحَّ تلميذ سائلاً: 'هل ثمَّة حياة بعد الموت أم لا؟' فأجاب المُعلِّم بغُموض: 'هل ثمَّة حياة قبل الموت؟ هذه هي القضيّة!'" (دقيقة حكمة، 83؛ راجع المرجع نفسه، 26). "إنّ إحدى الإشارات أنّك واعٍ هي أنّك لا تهتمّ بما سوف يحدث في الحياة الآتية. فأنت لا تقلق بشأنها ولا تأبه. وأنت غير مُهتمّ، وانتهى الأمر" (التّوعية، 42-43، 150). ورُبّما بوُضوح أكبر: "لماذا نهتمّ بالغد؟ هل ثمّة حياة بعد الموت؟ هل سوف أحيا بعد الموت؟ لماذا القلق بشأن الغد؟" (التّوعية، 114). "إنّ الفكرة الّتي لدى النّاس عن الخُلود لسخيفة. إذ يعتقدون أنّه سوف يستمرّ للأبد، لأنّه خارج الزمان. الحياة الأبديّة هي الآن وهُنا" (الاستنارة هي الرُّوحانيّة، 42).
ينتقد، في أماكن مُختلفة في كُتبه، مُؤسَّسات الكنيسة مِن دُون تمييز: "لقد تولّى المُحترِفون كُلّيًّا أمر حياتي الدّينيّة" (أُغنية العصفور، 63 وما يتبع). ويرتئي أنّ لقانون الإيمان أو لاعتراف الإيمان وظيفة سلبيّة، كما يعتبره السّبب الّذي يمنع الأشخاص مِن بُلوغ التّنوير ومعرفة الحقيقة معرفةً شخصيّة (وهكذا على مُختلف الأصعدة، أُغنية العصفور، 36، 46-47، 50 وما يتبع، 215). "عندما لا تَعُد بحاجة للتّمسُّك بكلمات الكتاب المُقدَّس، عندئذ سيحدث لك شيء جميل جدًّا، باكتشاف الحياة ومعناها. والشّيء المُحزن هُنا هُو أنّ الكنيسة الرّسميّة كرّست نفسها لتأطير المعبود، وحصره، والدّفاع عنه، وتجسيمه مِن دُون أنْ تكون قادرة على اكتشاف معناه الحقّ" (الاستنارة هي الرُّوحانيّة، 66). وترد أفكار مُماثلة في صلاة الضّفدعة، الجُزء الأوّل، 7، 94، 95، 98-99: "حُرِم خاطئ اقترف خطيئة علنيّة وحُظِّر عليه دُخول الكنيسة. فحمل محنته ليعرضها أمام الله. ربّي، إنّهم لا يسمحون لي بالدُّخول، لأنّي آثم. فأجابه الله:' ممّا تشتكي؟' إنّهم لا يسمحون حتّى لي بالدُّخول! '(المرجع نفسه، 105).
ليس الشّرّ سوى الجهل، وفُقدان الاستنارة: "عندما ينظر يسوع إلى الشّرّ ويسمّيه بالاسم ويُدينه بشكل لا لُبس فيه. ولكنْ حيث أنا أرى شرًّا، يرى هُو جهلاً... 'يا أبتِ اغفرْ لهم، لأنّهم لا يعرفون ما يفعلون'" [لوقا 23/34] (الينابيع، 215). لا يعكس هذا النّصّ بالتّأكيد، مُجمل تعليم يسوع عن الشّرّ والخطيئة في العالَم؛ لقد رحّب يسوع بالخطأة برحمة عميقة، ولكنّه لم ينفِ خطاياهم، بل دعاهم إلى التّوبة. وفي مقاطع أُخرى، نجد عبارات أكثر تطرُّفًا: "ليس هُناك ما هُو صالح أو طالح، إنَّما الفِكْر يجعله هذا أو ذاك" (دقيقة حكمة، 104). "في الحقيقة ليس هُناك خير أو شرّ في الأشخاص أَمْ في الطّبيعة، بل هُناك فقط حُكم عقليّ يحكم على هذا الواقع أو ذاك" (المشي على الماء، 99). ليس هُناك ما يدعو إلى التّوبة عن الخطايا، لأنّ الشّيء الوحيد الّذي يهمّ هُو الاستيقاظ على وعي الواقع: "لا تبكوا على خطاياكم. فلماذا البُكاء على خطايا ارتكبتموها بينما كُنتم غافين؟" (التّوعية، 26؛ راجع المرجع نفسه، 43، 150). سبب الشّرّ هُو الجهل (دقيقة هراء، 239). الخطيئة موجودة، ولكنّها عمل مِن أعمال الحماقة أو الجُنون (الاستنارة هي الرُّوحانيّة، 63). فالتّوبة تعني، بالتّالي، العودة إلى الواقع (راجع المرجع نفسه، 48). "التّوبة هي تغيير الفكر: رُؤية الواقع بطريقة مُختلِفة اختلافًا جذريًّا" (دقيقة هراء، 241).
مِن الواضح أنّ هُناك صلة داخليّة بين هذه المواقف المُختلفة: فإذا شكّ المرء بوُجود إله شخصيّ، فيُصبح غير عقلانيّ ومِن دُون معنى أنْ يتوجّه الله إلينا بكلمته وبوحيه. ولذلك ليس للكتاب المُقدَّس قيمة نهائيّة. ويسوع مُعلِّم مِثل بقية المُعلِّمِين، ويُعتَبَر ابن الله في كتب المُؤلِّف الأُولى فقط، ولهذه الشّهادة قيمة ضئيلة في سياق مفهوم الله هذا. ونتيجةً لذلك لا يستطيع المرء أنْ يُضفي أهمّيّة على تعليم الكنيسة. وإذا لَمْ يكن الله إلهًا شخصيًّا تُصبح حياتنا بعد الموت مُعضلة لا حلّ لها. مِن هُنا يُصبح واضحًا أنّ مِثل هذه التصوُّرات عن الله، والمسيح، والإنسان غير مُتوافقة مع الايمان المسيحيّ.
لهذا السّبب، اضطر المسؤولون عن الحفاظ على عقيدة الإيمان لتوضيح المخاطر الموجودة في النُّصوص الّتي كتبها الأب أنْتُوني دِي مِلُّو أو الّتي تُنسَب إليه، ولتحذير المُؤمنين بخُصوصها.

المركز الـﭭاتيكانيّ للإعلام، 22 آب/أغسطس 1998

7. مُعجم مُصطلحات

استنارة
الاستنارة Illumination، في البُوذيَّة، هي وعي الوُجود بكُلّيّته، ذلك الوعي الّذي بلغه بُوذا في تأمُّله في بوذ غايا Bodh Gaya.

بُوذا
بُوذا Buddha، ومعنى الكلمة المُستَنير، هُو سيدارتا غوتاما Siddhãrtha Gautama، حكيم هنديٌّ مِنْ قبيلة ساكيا Sãkya، عاش في القرن السّادس قبل الميلاد، هُو مُؤسِّس الدّيانة البُوذيَّة.
يُمثِّل بوذا كلَّ كائن بشريّ أو كائن سماويّ توصَّل إلى الاستنارة.

البُوذيَّة
هي الدّيانة (تبشيريّة) الّتي نشأت مِنْ تعاليم بُوذا، وانتشرت في الهند وآسيا الشّرق-جنوبيَّة حتَّى وصلت في النّهاية إلى آسيا الشّماليَّة، في الصّين واليابان.

التّأمُّل
التأمُّل Meditation هُو التّفكير العميق والدّائم، تُمارسه العديد مِنَ الديانات لأهداف مُتعدِّدة، مَثَلاً لبلوغ تحقيق الذّات أو الاتِّحاد بالله في الدّيانات التّوحيديَّة.
تُعلِّم بعض الدّيانات، لهذه الغاية، وضعًا جسميًّا مُستقيمًا، ومنهجيَّة خاصَّة بالتّنفُّس وترتيب الأفكار.
يُشير التأمُّل، في التّقليد المسيحيّ، إلى حالة التّمعُّن أو الاستغراق في التأمُّل Contemplation، الّتي تتعاقب فيها أفعال مُميَّزة يقوم بها العقل والإرادة. ويكون النّشاط الرُّوحيّ، في التمعُّن، أبسط كثيرًا.
يتحرَّك التأمُّل المسيحيّ دائمًا داخل حياة الإيمان، وغايته بالضّبط نموُّ الإيمان في المسيحيّة.

تاو
تاو Tao، ومعناه الطّريق. في الفلسفة التاويَّة هُو مبدأ الواقع الأسمى واللاّشخصيّ.

تاو تي تشينغ
كتاب دينيّ صينيّ، كُتب في القرن الرّابع ق. م. يُنسَب إلى لاو تسو، ولكنَّه، على الأرجح، إنتاج عدَّة مؤلِّفين.
يصف هذا الكتاب التّاو على أنَّه مبدأ الواقع الأسمى واللاّشخصيّ، والّذي يُمكن بلوغه بالسّلبية (العدم) فقط.

التّاويَّة
فلسفة صينيَّة أسَّسها تاو تي تشينغ. تهدف إلى اكتساب التّناغم مع الموجودات كلِّها، بواسطة اللاّفعل والتّحرُّر مِن الالتزام.
خلقت التّاويَّة تدريجيًّا نسقًا أُسطوريًّا مُعقَّدًا، وتبنَّت تصوُّرات عن مُلْك الأرواح والخيمياء والتّنجيم.

زاراتوشترا
نبيّ الزاراتوشتريَّة Zoroastrianism ومؤسِّسها. عاش في إيران إمّا في القرن الخامس عشر أو بين القرنَيْن العاشر والتاسع ق. م. أو على الأرجح بين القرنَيْن السّابع والسّادس. في عُمر الثّلاثين نزل عليه وحيٌّ مِنْ آهورا مازدا Ahura Mazda (الرّبّ الحكيم، وهو الاسم الّذي أطلقه زاراتوشترا على الله). هذا قاده على التّبشير ضدَّ تعدُّد الآلهة. مات، بحسب التّقليد، مُتمِّمًا ذبيحة النّار، الّتي كانت الاحتفال الرّئيس في الدّيانة الجديدة.

زِنّ
زِنّ Zen حركة بُوذيَّة يابانيَّة. والكلمة تعني التّأمُّل. انطلقت مِنْ مدرسة تشي آن Ch’an الصّينيَّة في القرن الثّامن ق. م. يُميِّزها بعض التّعاليم: إنَّ الاستنارة حدث عفويّ ومُستقلٌّ عن أيّ نوع مِنَ التّصوُّرات والتّقنيَّات والطُّقوس. يهدف الزّنّ إلى بُلوغ التّناغم في طريقة العيش، ويستخدم فُنون مدنيَّة لتحسين المهارات، مِثْل فنّ تحضير الشّاي والنّسخ والتّخطيط.

غُورُو
غورو Guru، ومعنى الكلمة مُعلِّم أو مُرشِد رُوحيّ، وهُو الّذي يحثُّ، في الدّيانات الهنديَّة، التّلميذ على تحقيق ذاته الإلهيَّة.

لاو تسو
لاو تسو Lao Tzu هُو، بحسب التّقليد، مُؤلِّف كتاب تاو تي تشينغ Tao Te Ching، والمُعاصر لكونفوشيوس Confucius.
الاسم يعني "المُعلِّم القديم أو المُعلِّم الشّيخ"، ويُمكن إطلاق هذا اللّقب على أيِّ مُعلِّم جوَّال.

الهندوسيَّة
الهندوسيَّة Hindouisme، تُشير هذه الكلمة إلى واقع اجتماعيّ-دينيّ، وليس جغرافيّ. فالهندوسيّ هُو الهنديّ الّذي انتمى إلى ديانة البراهمانيَّة Brahmanisme، ويهتمُّ لمجموعة المظاهر التي تُعرف ب "نظام الطوائف الاجتماعيَّة" Castes.
يُولَد الفرد هندوسيًّا، ولا يُمكن أنْ يُصبحه.

8. أعماله
·         Audio CD-Set "Wake Up to Life" Live NY Conference. A complete conference, the only one de Mello allowed to be recorded.
·         On film "A Way to God for Today," a spiritual development program where de Mello speaks directly to the viewer.
·         "A Rediscovery of Life," live satellite broadcast with audience and teleconference.
·         "Wake Up! Spirituality for Today," 90 minutes of talks given before a live audience.
·         The Song of the Bird, 1984. ISBN 978-0385-19615-4
·         Sadhana: A Way to God, 1984. ISBN 978-0385-19614-7
·         Wellsprings, 1986. ISBN 978-0-385-19617-8
·         One Minute Wisdom, Image, 1988. ISBN 978-0-385-24290-5
·         Awareness, Image,1990. ISBN 978-0385-24937-9
·         Taking Flight, 1990. ISBN 978-0-385-41371-8
·         The Way to Love, 1992. ISBN 978-0385-24939-3
·         The Heart Of The Enlightened, Image, 1994. ISBN 978-0-517-11474-2
·         Awakening, Image, 2003. ISBN 978-0385-50995-4
·         Contact with God, Image, 2003. ISBN 978-0385-50994-7
·         One Minute Nonsense
·         The Prayer of the Frog Vol. 1 & Vol. 2. In the English printing, these are titled "Taking Flight" and "The Heart of the Englightened."
·         Praying Naked: The Spirituality of Anthony de Mello (by J. Francis Stroud, S.J.), Image 2005. ISBN 978-0385-51314-2

9. مراجع ومصادر
Anthony De Mello: Writings Selected. (Édité par William Dych). Maryknoll. New York 1998.
Awakening: Conversations with the Master. Image/Doubleday. New York 1998.
Awareness. The Perils and Opportunities of Reality. A De Mello Spirituality Conference in His Own Words. (Édité par J. Francis Stroud). Image/Doubleday. New York 1992.
CALL TO LOVE. Meditations. (Édité par James R. Dolan). Gujarat Sahitya Prakash. 11th edition: Gujarat (India) 2005.
Contact With God: Retreat Conferences. Image/Doubleday. New York 1991.
One Minute Nonsense. Gujarat Sahitya Prakash. 7th edition: Gujarat (India) 2005.
One Minute Wisdom. Gujarat Sahitya Prakash. 13th edition: Gujarat (India) 2008.
Sadhana. A Way to God: Christian exercises in Eastern Form. Gujarat Sahitya Prakash. 24th edition: Gujarat (India) 2004.
Taking Flight: A Book of Story Meditations. Image/Doubleday. New York 1990.
The Heart of the Enlightened: A Book of Story-Meditations. Image/Doubleday. New York 1991.
The prayer of the frog. Volume I. Gujarat Sahitya Prakash. 11th edition: Gujarat (India) 2003.
The prayer of the frog. Volume II. Gujarat Sahitya Prakash. 11th edition: Gujarat (India) 2003.
The Song of the Bird. Gujarat Sahitya Prakash. 19th edition: Gujarat (India) 2005.
The Way to Love. The Last Meditations of Anthony De Mello. Image/Doubleday. New York 1992.
Walking on Water. Crossroad. New York 1998.
Wellsprings: A Book of Spiritual Exercises. Gujarat Sahitya Prakash. 11th edition: Gujarat (India) 1998.

Callahan John., God in All Things: The Spiritual Exercises of Anthony De Mello.
Callahan John., watering the desert, with Tony De Mello. Mercier Press. Cork 2004.
Callahan John., The spirit of Tony de Mello: a handbook of meditation exercises.
Galache G., Praying Body and Soul: Methods and Practices of Anthony De Mello. Columba Press. Dublin 2004.
Nayak Anand., Anthony De Mello. His Life and His Spirituality. Columba Press. Dublin 2007.
Stroud Francis J., Praying naked. The spirituality of Anthony De Mello. Image/Doubleday. New York 2005.
Valles Carlos G., Mastering Sadhana: On Retreat with Anthony De Mello. Image/Doubleday. New York 1988.
Valles Carlos G., unencumbered by baggage. Father Anthony De Mello A Prophet For our Times. Gujarat Sahitya Prakash. 5th edition: Gujarat (India) 2005.
Wake Up: Spiritually for Today (Guide Book).
We Heard the Bird Sing: Interacting with Anthony de Mello, S.J.

10. أعماله المُترجمة إلى العربيّة
أغنيَّة الطائر. تعريب أديب (لا ذكر لاسم العائلة) . دار مكتبة إيزيس، دمشق. الطبعة الأولى ‏2000.
دقيقة حكمة. تعريب الأب رفعت بدر. منشورات المكتبة البولسية، جونيه-بيروت. الطبعة الأولى 2004.[8]

11. أعماله المُتوفِّرة على النّت

12. اقرأ أيضًا
·         ^ T.K. Thomas (April 1999). "The Prayer of the Frog Called into Question at Findarticles.com". The Ecumenical Review. http://www.findarticles.com/p/articles/mi_m2065/is_2_51/ai_56063940/print. Retrieved 2006-11-24. 

13. ميديا/ڤيديو
كتاب "التّوعية" في تسجيلات ڤيديو بالإنكليزية، على هذه الروابط (يُمكن مشاهدتها على يوتيوب www.YouTube.com):
A- Awareness

B- Rediscovering Life

C- Wake Up! (How to be real)

D- Wake Up! (How to love)

14. وصلات خارجيّة
·         Official de Mello site
·         Summary of his writings
·         Anthony de Mello quotes
·         T.K. Thomas (April 1999). "The Prayer of the Frog Called into Question at Findarticles.com". The Ecumenical Review. http://www.findarticles.com/p/articles/mi_m2065/is_2_51/ai_56063940/print. Retrieved 2006-11-24. 

15. الحواشي




[1] كتب بِيل دِي مِلُّو، وهُو شقيق أنتُوني دِي مِلُّو، هذه السّيرة بالإنكليزية، ويُمكن للقارئ أنْ يجدها على النّت على هذه الصّفحة: http://users.tpg.com.au/adsligol/tony/
ننشر هُنا ترجمتها العربيّة بعد أنْ حصلنا على الإذن مِن كاتبها، فله منّا جزيل الشُّكر لمُوافقته على طلبنا.
[2] هُو القديس فرنسيس كسفاريوس (بالإسبانية: Francisco Javier). وُلد في 7 نيسان (أبريل) عام 1506 في بلدة خافيير Javier الواقعة في نافارّا Navarra في إقليم الباسك (إسبانيا)، وتُوفّي بتاريخ 3 كانون الأول (ديسمبر) 1552 عن 46 عامًا في جزيرة شانغ تشوان (أو جزيرة سانت جون) في الصين. كان مُرسلاً كاثوليكيًّا وأحد مؤسسي الرّهبنة اليسوعيّة، وبحسب الموسوعة الكاثوليكية فإنه يُعدّ واحدًا مِن بين أعظم مَن بشّر بالدّيانة المسيحيّة مُنذ عهد رُسل المسيح، وذلك بسبب الأعداد الكبيرة الّتي تمكّن مِن جذبها لهذه الدّيانة.
وُلد فرنسيس في عائلة نبيلة مِن الباسك، وتابع تعليمه في جامعة باريس حيث التقى خلال فترة دراسته فيها بإغناسيو دِي لُويُولا، وأصبح أحد أول سبعة أعضاء في الرّهبنة اليسوعيّة. سيم كاهنًا عام 1537، وفي عام 1542 بدأ رحلة تبشيريّة في الهند دامت ثلاث سنوات. أسّس عام 1545 إرساليّة في أرخبيل الملايو، وفي عام 1549 سافر إلى اليابان ليكون أوّل مَن يُدخِل المسيحيّة إليها. عاد بعدها إلى الهند عام 1551 وتُوفّي في العام التّالي.
[3] الإكليريكية Seminary هي مُؤسَّسة تنشئة وتعليم للطّلاب (إكليريكيُّون Seminarians) في الفلسفة واللاّهوت والرُّوحانية والحياة الدّينيّة، يُقبَل فيه طلاب حملة الشّهادة الثّانويّة العامّة. فيه يجري إعداد الطُّلاب للسّيامة الكهنوتيّة...
[4] اليسوعيُّون Jesuits or Society of Jesus باللاّتينية: Societas Iesu) "جمعيّة يسوع" أو "جماعة يسوع"، هي رهبنة كاثوليكيّة أسّسها القدّيس إغناسيُو دِي لُويُولا عام 1540. يُعرَف عُضو هذه الجماعة باليسوعيّ نسبة ليسوع المسيح، مُؤسِّس الدّيانة المسيحيّة. يبلغ عدد أعضاء هذه الجماعة قرابة العشرين ألفًا. وبهذا يكون اليسوعيُّون أكبر جماعة رهبانيّة كاثوليكيّة للذُّكور في العالَم. تنتشر مراكز اليسوعيّين في 112 بلد في القارات السّتّ، ولهم مراكز في عدّة دول عربية مِثل لبنان وسُوريا ومصر وغيرها.
تشتهر الرّهبنة اليسوعيّة بعملها التبشيريّ الرّسوليّ وخاصّة في مجال التّعليم، ولها في الشّرق الأوسط عدد مِن المُؤسَّسات التّعليميّة مِن مدارس وجامعات. ففي لبنان لها جامعة شهيرة هي جامعة القدّيس يُوسف في بيروت وكذلك مدرسة الجُمهور وفي مصر مدرسة العائلة المُقدَّسة في القاهرة.
نمت الرّهبنة بفضل نشاط المُؤسِّس إغناسيو دِي لُويُولا الّذي كان جنديًّا ثُمّ كرّس حياته للحياة النّسكيّة المسيحيّة. وقد حدث له هذا التّحوُّل أثناء شفائه مِن الجُروح الّتي تعرَّض لها في حصار بامبلونا. وقد ألّف كتاب الرّياضات الرُّوحيّة وهُو عبارة عن مجموعة مِن التّمارين الرُّوحيّة الّتي تُساعد على التّقرُّب مِن الله وإتّباع المسيح. وقد بدأت الرّهبنة بانضمام ستة رفاق له اختبروا الرّياضات الرُّوحيّة وذلك في باريس في 16 آب 1556.
[5] القدّيس إغْناسْيُو دِي لُويُولا Ignacio de Loyola (وبالإنكليزيّة  Ignatius of Loyola) (1491-31 يوليو 1556) كان فارسًا إسبانيًّا، وأصبح فيما بعد ناسكًا وكاهنًا. أسّس جمعيّة يسوع وصار رئيسها العامّ الأوّل. أضحى إغناسيو واليسوعيون الشّخصيّات الرّئيسة في الإصلاح-المُعاكس Counter-Reformation، الّذي بدأته الكنيسة الكاثوليكيّة وعملت فيه على إصلاح نفسها مِن الدّاخل، وعلى التّصدي للاّهوت البروتستانتيّ. أُعلنت قداسته في 12 آذار (مارس) 1622. يُحتفَل بعيده يوم 31 تمّوز (يوليو).
كان إغناسيو مِن عائلة نبيلة مِن الباسك (إسبانيا). كان فارسًا في البداية، ولكن بعدما أُصيبت ساقه بجروح خطيرة في معركة بامبلونا Pamplona عام 1521، وبينما كان في فترة العلاج، اختبر عمليّة توبة وارتداد وتحول رُوحي. إذ كان قد قرأ كتاب "حياة المسيح De Vita Christi" لمؤلِّفه لُودُولْف السّاكسونيّ Ludolph of Saxony، فألهمه بالتّخلّي عن أُسلوب حياته السّابقة، ليعيش حياة عمل في سبيل الله مُقتدِيًا بحياة أشخاص مِثل فرنسيس الأسيزيّ.
أمضى إغناسيو سبع سنوات في دراسة اللاّهوت واللاّتينيّة، أوّلا في ثلاث جامعات في إسبانيا ثُمّ في باريس. أسسّ جمعية يسوع سنة 1540، الّتي حصلت على اعتراف مِن البابا بُولس الثّالث. عُرفت الجمعية بدرجة عالية مِن الانضباط والتّنظيم، حيث يتعلّم أعضاؤها التمارين الرُّوحيّة، الّتي كتبها إغناسيو نفسه، ودُستورها. وحيث صميمها التّعليم والفحص الذّاتي. عندما تُوفّي إغناسيو عام 1556، كان هُناك 1000 يسوعيّ مُنظَّمِين في 11 وحدة.
[6] الكلمة "كاثوليكيّة" Catholic مِن أصل يُونانيّ وتعني الشُّمول والشُّمولية.
[7] لم تُنشَر جميع أعمال الأب دِي مِلُّو بإذن منه. فقد نُشر البعض مِنها بعد وفاته مُرتكزة على كتاباته، أو مُذكّراته أو على تسجيلات صوتيّة لمُحاضراته. إنّنا نعتمد في اقتباساتنا، في هذه الحاشية التّوضيحيّة، على طبعات كتاباته التّالية:
سادانا: طريق الى الله:
 Sadhana:A Way to God (St. Louis, USA: The Institute of Jesuit Sources, 1978)
أغنية العصفور:
 The Song of the Bird (Anand, India: Gujarat Sahitya Prakash, 1982)
ينابيع: كتاب رياضات رُوحيّة:
 Wellsprings: A Book of Spiritual Exercises (Anand, India: Gujarat Sahitya Prakash, 1984)
دقيقة حكمة:
 One Minute Wisdom (Anand, India: Gujarat Sahitya Prakash, 1985)
الاستنارة هي الرُّوحانيّة: رياضة كاملة في تحرير الذّات:
 "La iluminación es la espiritualidad: Curso completo de autoliberación interior" in Vida Nueva (1987) pp. 27/1583 - 66/1622
صلاة الضفدعة، في مُجلَّدَيْن:
 The Prayer of the Frog, 2 vols. (Anand, India: Gujarat Sahitya Prakash, 1989)
التوعية:
 Awareness (London: Fount Paperbacks, 1990)
التواصل مع الله: محاضرات رياضات رُوحيّة:
 Contact with God: Retreat Conferences (Anand, India: Gujarat Sahitya Prakash, 1990)
دعوة إلى الحب: تأمُّلات:
 Call to Love: Meditations (Anand, India: Gujarat Sahitya Prakash, 1991)
المشي على الماء: تحطيم الأصنام:
 Caminhar sobre as águas: Quebre o ídolo (São Paulo, Brazil: Edições Loyola, 1992)؛
وترجمته الإنكليزية: المشي على الماء: engl. trans. Walking on Water (New York: Crossroad, 1998)
دقيقة هراء: One Minute Nonsense (Anand, India: Gujarat Sahitya Prakash, 1992)
[8] تنقص ترجمة هذَين الكتابَين العلميّة، إذ فيهما الكثير مِن الهنّات اللُّغويّة وعدم فهم نيّة الكاتب... وتفتقدان في بعض الحالات للموضوعيّة أيضًا. أستغرب أشدّ الاستغراب عدم ذكر اسم عائلة مترجم كتاب "أغنية الطائر"؟
أما مُترجم كتاب "دقيقة حكمة" فقد أعطى لنفسه الحقّ بحذف بعض قصص الكتاب، مُبرِّرًا ذلك في بداية الكتاب بقوله: "أخذت بعين الاعتبار المُلاحظة اللاّهوتيّة الّتي أصدرها ‘مجمع العقيدة والإيمان‘ في الفاتيكان في 24 آب 1998، حول كتاب المُؤلّف. وبالتّالي حذفت بعض الأقاصيص الّتي تخدش العقيدة".
فإني أتساءل:
أولاً هل يحقّ لأيّ مُترجِم ولأيّ سبب أنْ يقوم بحذف ما يشاء مِن أيّ كتاب يودّ ترجمته؟
ثانيًا إذا كان موضوع أيّ كتاب يُسيء إلى أيّ كان أو إلى أيّ عقيدة...، وبنوع خاصّ عقيدة المُترجِم، فلماذا القيام بهذه التّرجمة؟
ثالثًا وهل المُترجِم، أو أيّ شخص كان، يُقرِّر ما يخدش العقيدة أم لا؟
رابعًا هذا لا يحدث سوى في التّرجمة العربيّة لكتاب أنتُوني دِي مِلُّو. أمّا بقية التّرجمات، وقد قرأتُ مِنها الإيطاليّة والفرنسيّة إلى جانب النّصّ الأصليّ بالإنكليزيّة، فلم أرَ أحدًا يسمح لنفسه بتشويه الكتاب.
خامسًا إنّ كُتب أنتُوني دِي مِلُّو، وهي في غالبيتها تحتوي على مجموعة مِن القصص، ولكنّها مكتوبة بطريقة خاصّة وبترتيب مُعيَّن، تذهب مِن أوّل إلى آخِر ومِن أدنى إلى أعلى ومِن بداية إلى نهاية، وغايتها التّربية والتّهذيب على الحياة الرُّوحيّة وإذكاء نار الوعي في الإنسان، فإنّ أيّ حذف أو إنقاص سيُشوّه حتمًا سيرورة الكتاب وصيرورته وهدفه. إذ سنكون أمام صُورة ميّعنا مِنها اللون الأزرق أو الأحمر أو الأصفر لأنّنا لا نُحبها، أو سنقف أمام فسيفساء ينقصها الكثير مِن القِطَع!

ليست هناك تعليقات: