الاثنين، فبراير 21، 2011

مُخْتَرِعُ النَّار


4

مُخْتَرِعُ النَّار


بَعْدَ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ مِنَ العَمَلِ، اكْتَشَفَ مُخْتَرِعٌ فَنَّ صُنْعِ النَّار.

فَحَمَلَ أَدَوَاتِهِ إِلَى مَنَاطِقِ الشَّمَالِ المُغَطَّاةِ بِالثُّلُوج، وَرَاحَ يُعَلِّمُ قَبِيلَةً فَنَّ صُنْعِ النَّارِ وَفَوَائِدَهِ.

اسْتَغْرَقَ الشَّعْبُ فِي هَذَا الاكْتِشَافِ الجَدِيدِ، حَتَّى إِنَّهُمْ نَسَوْا أَنْ يَشْكُرُوا المُخْتَرِعَ، الَّذِي رَحَلَ عَنْهُمْ يَوْمًا مِنْ دُونِ ضَجِيجٍ.

إِذْ إِنَّهُ كَانَ وَاحِدًا مِنْ أُولَئِكَ الأُنَاسِ النَّادِرِينَ المُتَّصِفِينَ بِالنَّبَالَةِ، وَالَّذِينَ لاَ يَأْبَهُونَ لاَ لِلْتَّبْجِيلِ وَلاَ أَنْ تَبْقَى ذِكْرَاهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ رَغْبَةً سِوَى الشُّعُورِ بِالرَّضَى وَهُوَ يَرَى النَّاسَ وَقَدْ اسْتَفَادُوا مِنِ اكْتِشَافِهِ.

وَكَانَتِ القَبِيلَةُ التَّالِيَةُ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا حَرِيصَةً عَلَى التَّعَلُّمِ مِثْلَ الأُولَى.

غَيْرَ أَنَّ الكَهَنَةَ هُنَاكَ غَارُوا مِنْهُ وَخَافُوا أَنْ يُسَيْطِرَ هَذَا الغَرِيبُ عَلَى النَّاسِ، فَاغْتَالُوهُ.

وَلِكَيْ يُبَدِّدُوا الشُّكُوكَ كُلَّهَا عَنِ الجَرِيمَةِ، نَصَبُوا صُورَةَ المُخْتَرِعِ العَظِيمِ عَلَى مَذْبَحِ المَعْبِدِ الرَّئِيسِيِّ؛

وَقَرَّرُوا إِقَامَةَ طُقُوسٍ خَاصَّةٍ بِهِ، بِحَيْثُ يَبْقَى اسْمُهُ حَيًّا مُبَجَّلاً وَذِكْرُهُ يَدُومُ.

وَكَانَ هُنَاكَ حِرْصٌ كَبِيرٌ عَلَى أَنْ لاَ يُحْذَفَ أَوْ يُغَيَّرَ أَيُّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الطُّقُوسِ.

وَوُضِعَتْ أَدَوَاتُ صُنْعِ النَّارِ دَاخِلَ تَابُوتٍ، وَقِيلَ إِنَّهَا تَشْفِي جَمِيعَ الَّذِينَ يَلْمَسُونَهَا بِإِيمَانٍ.

وَأَخَذَ كَبِيرُ الكَهَنَةِ عَلَى عَاتِقِهِ مَهَمَّةَ كِتَابَةِ حَيَاةِ المُخْتَرِعِ.

وَأَصْبَحَ هَذَا الكِتَابَ المُقَدَّسَ، فِيهِ تَظْهَرُ مَحَبَّةُ المُخْتَرِعِ وَلُطْفَهُ، الْلَّذَيْنِ صَارَا مِثَالاً يَحْتِذِي بِهِ الجَمِيع،

وَقَدْ أُشِيدَ بِأَعْمَالِهِ المَجِيدَة، وَأَصْبَحَتْ طَبِيعَتُهُ فَوْقِ-البَشَرِيَّةُ مَوْضُوعَ إِيمَانٍ.

وَقَدْ حَرِصَ الكَهَنَةُ عَلَى تَنَاقُلِ الكِتَابِ مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ،

مُفَسِّرِينَ مَعَانِي كَلِمَاتِهِ وَشَارِحِينَ مَغْزَى حَيَاتِهِ المُقَدَّسَةِ وَمَوْتِهِ.

وَرَاحُوا يُعَاقِبُونَ بِلاَ رَحْمَةٍ بِالمَوْتِ أَوْ بِالحِرْمانِ أَيَّ شَخْصٍ يَنْحَرِفُ عَنْ مَذْهَبِهِمْ.

وَانْشَغَلَ النَّاسُ بِهَذِهِ الشَّعَائِرِ الدَّينِيَّةِ،

بَيْدَ أَنَّهُمْ نَسَوْا تَمَامًا فَنَّ صُنْعِ النَّار.


مِنْ حَيَاةِ آبَاءِ الصَّحْرَاء:

جَاءَ الآبَاتِي لُوطُ لِعِنْدِ الآبَاتِي يُوسِف، وَقَالَ:

"أَبَتِ، وَفْقًا لِقُدُرَاتِي، حَافَظْتُ عَلَى فَرِائِضِي القَلِيلَةِ

وَصَوْمِي الصَّغِير، وَصَلاَتِي، وَتَأَمُّلِي، وَصَمْتِي المُتَأَمِّل؛

وَبِحَسَبِ إِمْكَانِيَّاتِي، فَقَدْ طَهَّرْتُ قَلْبِي مِنَ الأَفْكَارِ الشِّرِّيرَةِ.

وَالآنَ مَا يَجِبُ أَنْ أَفْعْلَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا؟

فَوَقَفَ الأَكْبَرُ سِنَّا لِلْرَّدِ.

وَمَدَّ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ

فَأَصْبَحَتْ أَصَابِعُهُ عَشَرَةَ مَصَابِيحَ مِنْ نَارٍ.

وَقَالَ: "هَذَا: تَحَوَّلْ كُلِّيًّا إِلَى نَار".

صلاة الضِّفدعة، الجزء 1

أنتوني دي ميلُّو